ملحمة دييجو 1986

طفل صغير لديه حلم اللعب في كأس العالم والفوز بها، كان ليتحقق عام 1978 أمام "شعبه" لكنه تأجل 8 سنوات لتدون البطولة باسمه بدلا من تلك التي كان سيساهم فيها بجزء بسيط ليس إلا مع كتيبة سيزار مينوتي.

كتب : محمد يسري

الخميس، 29 يونيو 2017 - 23:37
مارادونا

طفل صغير لديه حلم اللعب في كأس العالم والفوز بها، كان ليتحقق عام 1978 أمام "شعبه" لكنه تأجل 8 سنوات لتدون البطولة باسمه بدلا من تلك التي كان سيساهم فيها بجزء بسيط ليس إلا مع كتيبة سيزار مينوتي.

مشوار الوصول لمونديال المكسيك 1986 لم يكن سهلا على دييجو أرماندو مارادونا، خصوصا وأن الاتحاد الإيطالي كان يتدخل لمنع اللاعبين من السفر أحيانا لخوض مباريات التصفيات بسبب لعبها بين مباريات الدوري الإيطالي. لكن هذا الحديث لا يسير على "دييجو" الذي كان يخوض مباريات نابولي يوم الأحد ثم يسافر للأرجنتين لخوض التصفيات وهكذا.

3 أهداف لمارادونا من أصل 12 للأرجنتين في التصفيات، لتجمع 9 نقاط وتتأهل للمونديال بفارق نقطة عن بيرو في زمن كان الفوز به يقدر بنقطتين.

يستعيد مارادونا ذكرياته بعد التأهل للمونديال، قائلا: "بعد التأهل تحدثت مع كاريكا (صديقه) وقلت له أننا سنعاني في البطولة؛ لكننا سنفوز بها".

إلى المكسيك اتجه "دييجو" بعد الفوز بالدوري الإيطالي مع نابولي، وهو يتذكر حلمه القديم: الفوز بكأس العالم.

يقول مارادونا: "بيرديتو (باسكولي) كان شريكي في الغرفة، وكنا نضع كل يوما صورة أو لوحة أو عبارات تحفيزية على الجدران حتى نشعر أننا نعيش في منزلنا طوال فترة البطولة لأننا لم نكن نريد الرحيل عن المكسيك قبل شهر".

في المجموعة الأولى وقعت الأرجنتين بجانب بطلة العالم إيطاليا، وكوريا الجنوبية وبلغاريا.

5 نقاط جمعتها الأرجنتين بعد الفوز على كوريا بنتيجة 3-1 والتعادل مع إيطاليا بهدف لمثله سجله مارادونا والفوز على بلغاريا بهدفين دون رد على الترتيب؛ لتتأهل لدور الـ16 وتواجه منتخب أورجواي وتفوز بهدف دون رد.

في دور الـ8 كانت المواجهة أمام إنجلترا. مجرد وصول الأرجنتين لهذا الدور كان مفاجأة للبعض، لدرجة سؤال مارادونا عن مدى سعادته بهذا الأمر. إجابة مارادونا كانت نفس إجابة قائد منتخب أورجواي في كأس العالم 50 قبل الفوز على البرازيل في النهائي "السعادة ستأتي عند الفوز باللقب فقط".

إنجلترا كانت تحقق انتصارات في الحرب ضد الأرجنتين على جزر فوكلاند لتفوقها عسكريا بسبب المال الذي لا تمتلكه الأرجنتين، لذلك كان انتصار الأخيرة ضروريا عند مواجهة "العدو"، ليس للانتقام للشباب الذين أُطلق عليهم النار مثل "الطيور الصغيرة" كما قال مارادونا، بل لتأكيد قوة الأرجنتين حين يدور الأمر بدون مال أو سلاح. اللقاء لم يكن "حربا" مع إنجلترا.

أفتتح مارادونا التسجيل في الدقيقة 51 بهدف باليد في مرمى بيتر شيلتون بعد تمريرة ثنائية مع خورخي فالدانو. أبعد جلين هوديل الكرة بشكل خاطيء لتلتقطها يد مارادونا داخل الشباك.

لم يشاهده علي بن ناصر حكم المباراة الذي قال: "انتظرت إشارة من الحكم المساعد لإلغاء الهدف، لكنه لم يفعل أي شيء، لذلك احتسبته".

بينما كان للمساعد البلغاري بوجدان دوشيف رأي أخر، فقال:"الاتحاد الدولي لم يكن يسمح للحكام المساعدين باتخاذ قرارات بدلا من حكم الساحة، وكان يجب أن يتم إسناد إدارة المباراة لحكم من أوروبا نظرا لأهميتها".

بعد 4 دقائق من الهدف الأول استلم مارادونا الكرة من منتصف الملعب وصولا لمنطقة الجزاء وسجل الهدف القرن. (كواليس تسجيل مارادونا الهدف من هنا).

الأرجنتين فازت بهدفين مقابل هدف بسبب يد وسحر دييجو، الرحلة مستمرة وصورة جديدة تضاف لغرفة مارادونا في الفندق قبل مواجهة بلجيكا في نصف النهائي.

هدفان دون رد لدييجو، وبلاد الشمس إلى النهائي، ومدرب بلجيكا جوي ثيس لم يجد تفسير لما حدث سوى قول: "الفارق بيننا وبين الأرجنتين كان وجود مارادونا معهم".

في النهائي أمام ألمانيا كانت الرقابة اللصيقة رفقية مارادونا، لوثير ماتيوس يرافقه كظله وقدم هانز بيتر بيرجل الصلبة مثل مضرب "البيسبول" كما وصفها منعته من التسجيل، لكن هذا لا يمنع الأرجنتين من التقدم بهدفين دون رد عن طريق لويس بروان وخورخي فالدانو.

ولأن المستحيل ليس ألمانيا، تعادل المانشافت في 7 دقائق، بعدما سجل كارل هانز رومينيجه ورودي فولر هدفين في الدقائق 73 و81.

الحالة البدنية تعطيالأفضلية للألمان، بالإضافة للعب فرانز بيكنباور بـ3 مهاجمين من الدقيقة 62 بعد الدفع بأولي هونيس بدلا من فيلكس ماجاث. تغيير أضعف دفاع ألمانيا وخلق العديد من الثغرات.

رفض مارادونا أن ينتهى اللقاء دون ترك بصمة، وصنع هدف الفوز لبورتشاجا في الدقيقة 84 لتفز الأرجنتين بكأس العالم للمرة الثانية ويحقق الطفل "دييجو" حلمه.

6 دقائق لنهاية المباراة قضاها مارادونا بالنظر لحكم اللقاء البرازيلي أربي فيلو بعين منتظرا صافرة النهائية، وعينه الثانية تبحث عن تسجيل هدف رابع، لكن الصافرة جاءت وفازت الأرجنتين ولمس "دييجو" السماء.

بعد الاحتفالات، ذهب لاعبو منتخب الأرجنتين لملعب التدريب الخاص بهم طوال البطولة، وفسر مارادونا تلك الواقعة، قائلا: "على ملعب التدريب أقسمنا أننا سنفوز باللقب، أيضا أقسمنا سنكون أخر فريق يرحل عن المكسيك بعد أن كنا أول فريق يصل إليها قبل بداية كأس العالم".

انتهى المونديال وفاز مارادونا بجائزة أفضل لاعب بعدما سجل 5 أهداف وصنع أغلى هدف ربما في تاريخ الأرجنتين. صحيح أن الأرجنتين امتلكت جيل رائع من اللاعبين ساعدوا "دييجو" في الفوز باللقب لكنه كان نعم القائد وظهر في الوقت الصعب أمام إنجلترا وبلجيكا إيطاليا وحتى ألمانيا.

ما فعله مارادونا رفقة أصدقاءه، جعل حلم الفتى حقيقة، وأن جملة" اسمي دييجو أرماندو مارادونا، عمري 10 سنوات، لدي حلمان: الأول هو اللعب في كأس العالم والثاني: هو الفوز به" لم تكن مجرد كلمات صُورت في مقطع فيلمي، بل تحولت لملحمة حقيقة يتذكرها التاريخ.