أنشيلوتي.. عقل إيطالي كسر نحس المركز الثاني

بالنسبة لشخص يرى أن كرة القدم ليست مجرد وظيفة، إنه يحيا في اللعبة ويتعايش معها لحظة بلحظة، كارلو أنشيلوتي لاعب بدأ مسيرته بالاجتهاد حتى خطفه بارما وصولا إلى بطل أبطال أوروبا كلاعب ومدرب.

كتب : إسلام مجدي

السبت، 10 يونيو 2017 - 15:32
أنشيلوتي

بالنسبة لشخص يرى أن كرة القدم ليست مجرد وظيفة، إنه يحيا في اللعبة ويتعايش معها لحظة بلحظة، كارلو أنشيلوتي لاعب بدأ مسيرته بالاجتهاد حتى خطفه بارما وصولا إلى بطل أبطال أوروبا كلاعب ومدرب.

صرح كارلو في وقت سابق "كرة القدم ليس وظيفة، لقد نشأت في مزرعة، كرة القدم هي حياة أفضل لي".

حينما انتقل من ريجيولو إلى بارما شكل الأمر صدمة حضارية على كارلو. الفتى الصغير اصطدم بالواقع الجديد عليه كليا، من الريف إلى المدينة الصاخبة.

كان كارلو أحد أفضل اللاعبين في عصره، ترك اللعب وانضم للتدريب عام 1994 عمل وقتها كمساعد لأريجو ساكي، أثناء كأس العالم، ويدين بالفضل في أسلوبه التدريبي والكثير مما تعلمه للرجل الذي آمن به ساكي.

لم تكن بداية أنشيلوتي موفقة، بدأ فعليا التدريب مع فريق ريجيانا ثم بارما ويوفنتوس، كانت صورته دائما، مدرب يقترب من الفوز والألقاب لكنه لا يتوج بها أبدا خاصة مع المركز الثاني الذي لازمه في الناديين، عدل ذلك كليا فيما بعد.

حينما بدأ كمدرب صرح كارلو أنشيلوتي قائلا :"مستقبل كرة القدم: أكثر حركة". قاد الإيطالي ريجيانا من دوري الدرجة الثانية إلى الأولى في موسمه الأول كمدرب، ولفت انتباه الأندية الكبرى إليه، قرر بارما أن يحصل على خدماته، ليتولى المهمة، وبالطبع فريقه القديم لازال يحتفظ بصوره كلاعب.

في بارما كان لديه فريقا يضم فابيو كانافارو وجيانلويجي بوفون حصل به على المركز الثاني في الدوري الإيطالي، وأصبح له سمعة في الوسط الرياضي بأن يكون مدربا شابا ناجحا، وخلال موسمين في بارما، حقق نجاحا لا بأس به لكنه لم يفز بأي ألقاب.

قرر يوفنتوس أن يخوض المغامرة مع كارلو وعينه في نهاية موسمه الثاني مع بارما، في تلك الفترة كان مارشيليو ليبي قد قاد البيانكونيري للفوز بلقبي دوري متتاليين، والكل توقع نفس النجاح من كارلو.

فور وصوله لتولي قيادة الفريق كانت الجماهير غاضبة وهتفت ضده "الخنازير لا يمكنها أن تدرب". كانت تلك إشارة عنصرية إلى أصوله الريفية.

بعد ذلك قاد يوفنتوس للمركز الثاني في موسمه الأول في الدوري، لكنه أقيل بعد ذلك على الرغم من أنه كانت هناك فرصة للفوز بالدوري.

قال أنشيلوتي عن فترته مع يوفنتوس :"المشكلة كانت معي وجماهير يوفنتوس هي أنني لعبت لروما وميلان، وهم لم يحبوا ذلك".

وأضاف "لقد كانوا دائما مرشحين للفوز بلقب الدوري، وقبل ذلك في 1983 كنت جزء من فريق روما الذي توج بطلا للقب على حساب يوفنتوس، وكان فريقا كبيرا، به ميشيل بلاتيني وبونيك وجينتيل وزوف".

قرر يوفنتوس أن يعيد ليبي لتدريب الفريق، كان مارشيليو قد أقيل في ذلك الوقت من تدريب إنتر ميلان، على الجانب الأخر انضم أنشيلوتي إلى ميلان.

وصرح أنشيلوتي "وجدت بيرلسكوني رجلا شغوفا بكرة القدم، لم يمكنني الرفض أبدا، وجدت نفسي أنتمي له وللكيان، عملت معه كلاعب أثناء فترتي مع ميلان في الثمانينات، وعلاقتي قوية معه".

إن أردت البحث في تاريخ ميلان عن فريق مشابه لما بناه أنشيلوتي في 2001-2009 فعليك أن تعود إلى الثمانينات لتراجع تاريخ الفريق مع ساكي وفابيو كابيللو، النجاح سيكون مشابها، واللاعبين الكبار متواجدين في الفترتين.

انضم عدد من النجوم المتميزين إلى ميلان، في تلك الفترة كان بيرلسكوني يجبر أنشيلوتي على ضم مهاجمين كبار للغاية وبأسعار كبيرة لكي يوقف أنشيلوتي عن لعب الكرة الدفاعية، في النهاية طريقة كارلو هي التي فازت، وكانت ناجحة مع النادي.

خلال فترته مع ميلان كان يلعب بطريقة 4-4-2، والتي عرف الكثير عن أسرارها من وقته مع أريجو ساكي، ثم 4-2-3-1 الشهيرة حاليا، دائما كارلو كان يؤمن بالطاقة الكبيرة للاعبيه والهجمات المرتدة السريعة وإتقانها، دائما يطلب من فريقه أن يتحرك كثيرا ويعمل بكد، وأن يضحي الجميع من أجل الفريق، والمخاطرة من أجل مصلحة الفريق.

الخسارة من ليفربول في 2005 قد تكون المثال الأكبر على قوته كمدرب، إنها ليلة سيئة للغاية على كل ما يخص ميلان، لكن بعد ذلك بعامين حصل العملاق الإيطالي على انتقامه وتوج بطلا لأبطال أوروبا على حساب ليفربول.

يتذكر أنشيلوتي نهائي 2005 قائلا :"الأمر كله كان حول 6 دقائق، لعبنا لمدة 114 دقيقة، وليفربول لعب 6 دقائق فقط، تلك حقيقة الأمر، لقد كانت مباراة غريبة للغاية، أخذت فريق ميلان لـ3 نهائيات دوري أبطال أوروبا، لكن 2005 كانت أفضل مباراة لعبناها، وكانت الوحيدة التي خسرناها".

وتابع "لم يحتفل اللاعبون بين الشوطين، كل هذا هراء، كنا سعداء لأننا لعبنا شوطا أولا متميزا للغاية ورائعا، لكننا عرفنا أن هناك شوطا أخر، حتى مع التعادل بنتيجة 3-3، كان يجب أن نفوز في أخر دقيقة، حينما كانت هناك فرصة لأندري شيفشينكو أمام المرمى، لكن يرزي دوديك تصدى للكرة".

أن تعيد فريقك ليقاتل مرة أخرى بعد ضربة نفسية قوية للغاية مثل خسارة نهائي مضمون من شوطه الأول، هو أمر كبير للغاية وإنجاز يضاهي تتويجه في 2007، وهذا يفسر استمرار أنشيلوتي لفترة طويلة في وجود بيرلسكوني، اللاعبون كانوا يثقون في كارلو ويحبونه كثيرا.

لا عجب في أنه مدرب فريد من نوعه، توج بالألقاب ودرب أساطير، قدرته على تدريب اللاعبين واستخراج أفضل ما لديهم هي ما حققت له النجاح الكبير طيلة مسيرته، إضافة إلى صبره وإيمانه بما يقدمه.

لكن على الصعيد المحلي قد نعود للتساؤل، لماذا لم يفز فريقه ميلان سوى بلقب دوري وحيد مع أنشيلوتي؟ ما كل هذه القوة والتكتيك؟ إضافة لكأس إيطاليا مرة وحيدة وكأس سوبر إيطالية وحيدة، أسلوبه في التدريب مقارنة ببعض المدربين حسبما قالت الانتقادات أنه ليس حادا ولكنه شخص هادئ ناعم مع اللاعبين.

قال أنشيلوتي عن ذلك "في ميلان كانت لدي احتمالية للفوز بألقاب أكثر، لكنني كنت أنتهي في المركز الثاني، وحدث الأمر ذاته معي في بارما، ندمي هو أنه كان يجب أن أفوز بألقاب أكثر مع ميلان، لأنه كان لدي تشكيل رائع من اللاعبين، وأدينا جيدا في دوري الأبطال، لكن كان علينا الفوز بلقب الدوري أكثر من ذلك".

في مايو 2009 رحل أنشيلوتي عن ميلان ليتولى تدريب تشيلسي، ذلك النادي كان قد اكتسب سمعته خلال تلك الفترة بعد إقالة جوزيه مورينيو بأن رومان أبراموفيتش يتحكم في كل شيء.

والد أنشيلوتي قال :"كارلو استمتع بصحبة الملياردير الروسي، لقد وجد تشابهات بينه وبين بيرلسكوني، ووصفه بأن رجل كرة قدم حقيقي".

في موسمه الأول توج تشيلسي بطلا للدوري الإنجليزي وكأس الاتحاد الإنجليزي، أول ثنائية محلية في تاريخ النادي، وسجل الفريق خلال الموسم 103 هدفا، أول فريق يفوز بالدوري وقد سجل أكثر من 100 هدفا منذ توتنام في 1963.

في موسمه الثاني مع الفريق اللندني لم يكن جيدا مثلما كان في الأول، حتى بعدما عقد الفريق صفقات قوية للغاية مثل فيرناندو توريس وديفيد لويز، أقيل أنشيلوتي بعد ساعتين من أخر مباراة في الموسم وحصل على 4 ملايين جنيه إسترليني قيمة الشرط الجزائي.

وصرح أنشيلوتي بعد ذلك "كان لدينا لاعبين كبار في تشيلسي، مثل نيكولاس أنيلكا، ديديه دروجبا، فرانك لامبارد، مايكل بالاك، وفوق كل ذلك كان كل منهم يشعر بالراحة في مركزه".

وأضاف "بدأنا الموسم الثاني بداية جيدة، بعد ذلك كان لدينا العديد من الإصابات، جون تيري ومايكل إيسيان ودروجبا، لكم أكن سعيدا بإقالة راي ويلكينز خلال الموسم، أردت أن يستمر معنا".

فيما بعد تولى كارلو مهمة تدريب باريس سان جيرمان، وعقب توليه المهمة خسر لقب الدوري أمام مونبلييه، ليصبح هناك اعتقادا أنه بدأ يفقد سحره، لكنه بعد ذلك حقق لقب الدوري في الموسم التالي.

قال المدرب الإيطالي عن تلك الفترة :"عملت لعامين مع سان جيرمان، الأمر اعتمد على مشروع النادي، وأظهر طموحا كبيرا، هدفه لم يكن فقط الفوز بالدوري بالطبع، لكنه كان يرغب في منافسة قوية بدوري أبطال أوروبا".

في 2013 تولى تدريب ريال مدريد، وفي موسمه الأول قاد الفريق للفوز بكأس الملك ودوري أبطال أوروبا، كان اختيارا ذكيا من فلورنتينو بيريز ليتولى تدريب الفريق خلفا لجوزيه مورينيو، البرتغالي كان قد سبب متاعب كثيرة مع الصحافة وما فعله مع تيتو فيلانوفا، ثم الصراع مع إيكر كاسياس وسيرخيو راموس، الوضع كان سيئا في النادي الملكي.

البعض شبه كارلو بحمامة السلام في ذلك الوقت، لكنه أعاد الفريق إلى الطريق الصحيح سريعا، ووحد اللاعبين خلف شعار النادي مرة أخرى بعيدا عن المشاكل، قبل أن يرحل في الموسم الثاني، ويتولى تدريب بايرن ميونيخ.

"كان هناك تأثيرا كبيرا لبيع شابي ألونسو وأنخيل دي ماريا، لكن لا يمكنني نسيان بداية موسمي الثاني، 22 فوزا متتاليا، بعد ذلك كانت لدينا مشاكل، إصابة كل من لوكا مودريتش وسيرخيو راموس، خسرنا بعض الثقة، ووصلنا لنصف نهائي دوري الأبطال، لكننا خسرنا من يوفنتوس، وخسرنا البطولة ضد برشلونة بفارق نقطة".

"كنت أعلم أنني إن لم أفز بأي شيء ستتم إقالتي، علمت ذلك فور توقيعي للعقد، إن لم تفز فتاريخ النادي باق وأنت سترحل، ليس لدي أي ندم حيال فترتي مع ريال مدريد لقد كانت رائعة، كل مدرب يرغب في العمل مع الملكي لأنه أكبر نادي، وتاريخ وجماهيره الكبيرة حول العالم".

مع العملاق البافاري نجح كارلو في الفوز بلقب الدوري الألماني في موسمه الأول، لأنه كان التحدي الجديد الذي بحث عنه كارلو، محددا أهدافه فيما هو قادم.

"وصل بايرن ميونيخ إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 5 مرات في الماضي خلال 5 أعوام لكنه توج بالبطولة مرة وحيدة، لذا فالعام المقبل سنركز أكثر".

هناك دائما تساؤلات جدلية حول كارلو أنشيلوتي، هل نجاحه يعود إلى من سبقه من مدربين؟ هل يضمن النجاح السابق ما هو قادم؟

حقق أنشيلوتي لقب دوري أبطال أوروبا مرتين مع ميلان وهو الإنجاز الأفضل له، كما أنها إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الكرة الحديث، حينما تنظر لما حققه كلاعب ومدرب فأنت تقف أمام أسطورة، كرة القدم احتلت عقله ما يزيد عن الـ30 عاما.

إن فكرت في أعظم المدربين في تاريخ الكرة الحديثة ولم يأت ببالك أنشيلوتي فهناك خطب ما، بكل تأكيد هو أحد أفضل العقول التي دربت منذ بداية الألفية الحديثة، وتجاهل اختياره نابع فقط من قلة استمراره في المنافسات التي تتطلب نفسا طويلا مثل ما حدث مع ميلان وأقر هو بذلك.