تحقيق في الجول – كيف أصبحت مصر "برازيل الاسكواش".. وخطر يهدد الهيمنة

6 بين العشرة الأوائل في التصنيف العالمي للرجال مصريين، وثلاث بين العشر الأوليات في السيدات مصريات.. هكذا أصبحت لمصر اليد العليا في الاسكواش، تلك اللعبة غير الأولمبية.

كتب : أحمد العريان ومحمد سمير

الثلاثاء، 11 أبريل 2017 - 11:12
محمد الشوربجي ورامي عاشور وكريم درويش

6 بين العشرة الأوائل في التصنيف العالمي للرجال مصريين، وثلاث بين العشر الأوليات في السيدات مصريات.. هكذا أصبحت لمصر اليد العليا في الاسكواش، تلك اللعبة غير الأولمبية.

"مثلما توجد البرازيل في كرة القدم، يوجد مصر في لعبة الاسكواش" هكذا تحدث معظم نجوم اللعبة من المصريين والأجانب في هذا التحقيق.

"مصر هي برازيل الاسكواش، ولذلك أسباب تاريخية تعود للاستعمار البريطاني الذي أنشأ الملاعب في القاهرة والإسكندرية وأدخل اللعبة لمصر في الثلاثينيات من القرن الماضي".. هكذا قال عاصم خليفة رئيس الاتحاد المصري للعبة الاسكواش.

عبد الفتاح باشا عمرو كان أول بطل مصري في الاسكواش، هو دبلوماسي مصري لكنه كان يهوى الاسكواش، فنافس في بطولات بريطانيا المفتوحة وفاز بها في ست مرات.

عبد الفتاح عمرو نقل حب اللعبة لمصر، وبالفعل ظهر بطل أخر هو محمود الكريم الذي كان يعمل كجامع للكرات في ملاعب الاسكواش، لكنه تفوق في اللعبة وحقق 4 بطولات في بريطانيا المفتوحة.

عمرو منسي لاعب الاسكواش السابق ومنظم بطولة الجونة الدولية –أحد بطولات World Series السبع- يقول لـ FilGoal.com: "الاسكواش لها بذور تاريخية في مصر منذ فترة عبد الفتاح باشا عمرو وأعيد إحياء اللعبة من جديد في التسعينات بسبب بطولة الأهرام وتواجد أحمد برادة وعمرو شبانة".

وأضاف "نجاح هؤلاء كان دافعا لنا كي ننجح أيضا، نحن لسنا متفوقين تاريخيا في اللعبة، لكننا بدأنا البناء من برادة والآن بدأنا الحصاد".

منسي أتم "قريبا سننظم بطولات أخرى كبيرة في لعبات أخرى غير الاسكواش، هدفن هو نقل نجاح الاسكواش للعبات أخرى بإمكان مصر التفوق فيها".

كيف أصبحت مصر هي تلك القوة العظمى في لعبة الاسكواش؟ هذا ما حاول FilGoal.com الوصول إليه في التحقيق التالي.

تواصل الأجيال

البداية كانت منتصف التسعينات مع برادة وشبانة، الأول اعتزل مبكرا بعد تعرضه لحادث وكان قد وصل للمرتبة الثانية في التصنيف العالمي، والثاني واصل مسيرته حتى أصبح أول مصري يتوج ببطولة العالم، ومن هنا بدأ تعاقب الأجيال.

عمر عبد العزيز، مدرب العديد من النجوم المصريين والمدير الفني لمنتخب للناشئين يقول لـ FilGoal.com: "الأجيال السابقة صنعت تاريخا لمصر في اللعبة، لقد أسسوا قاعدة النجاح، ونحن نسير على نهجهم من بعدهم".

وأضاف "لاعبونا يتدربون مع نجوم سابقين، وبالتالي يرون القدوة الحسنة أمامهم، وهذا يؤثر في شخصيتهم منذ الطفولة".

كريم عبد الجواد المصنف الثاني عالميا يقول لـ FilGoal.com: "منذ كنت طفلا أتدرب وألعب مع نجوم كبار مثل عمرو شبانة وكريم درويش، وذلك الأمر أثر كثيرا في شخصيتي، الآن صنعت اسمي، وأحاول أن أنقل تجربتي لمن هم أصغر مني سنا، وهكذا يستمر تواصل الأجيال".

رنيم الويليلي المصنفة الرابعة عالميا تتفق مع عبد الجواد، وتقول لـ FilGoal.com: "كل دولة لها أساطير في لعبة الاسكواش، لكن مصر لها أساطير من نوع مختلف".

وأوضحت "أساطير مصر في اللعبة كانوا قريبين منا، منذ كنت صغيرة كان بإمكاني التحدث إلى عمرو شبانة مثلا في نادي الجزيرة والحصول على خبراته، وهذا ما يميزنا عن غيرنا".

فارس الدسوقي أحد النجوم الصاعدين في لعبة الاسكواش والمصنف التاسع عالميا بالوقت الحالي يقول لـ FilGoal.com: "جيلنا رأى أجيال سابقة تألقت وحببتنا في اللعبة مثل أحمد برادة وكريم درويش، ذلك التواصل بين الأجيال يجعلنا حين نتنافس بالخارج، نكون قد كسرنا رهبتنا بالفعل وتأقلمنا على الأجواء أكثر منهم".

عمرو فكري الصحفي المصري في BBC يقول لـ FilGoal.com: "مصر هي الدولة الوحيدة التي يوجد بها عدد ضخم من اللاعبين Class A، فرنسا مثلا لديها لاعب واحد ولاعبين من Class B".

وأضاف "ما يميز المدربين في مصر أنهم أولا دؤوبين على التعلم، سواء من بعضهم في مصر أو من الخارج، بالإضافة لأن أغلبهم كانوا من النجوم قبل الاعتزال".

فكري أتم " كاميل سيرم اللاعبة الفرنسية والمصنفة رقم 3 على العالم حين تتدرب مع لاعبة أخرى في فرنسا كي ترفع من مستواها، لا تجد غير كولين أومار المصنفة الـ 29 عالميا، لكن في مصر هناك ثلاث من أول 10 سيدات و6 من أول 10 رجال، مثلا حين يتدرب محمد ومروان الشوربجي سويا، هما الثالث والخامس عالميا وبالتالي لديهما الفرصة كي يرفعان من مستواهما".

نعود لعمرو منسي، والذي يقول في هذا الصدد: "الآن أيضا ننظم بطولات في مصر مثل تلك التي تنظم حاليا في الجونة، ورغم إننا لسنا في موسم سياحي كبير لكن الحضور الجماهيري قوي وأطفال كثر يتواجدون في المدرجات يهتمون باللعبة ويرون نجاح أبطال مصريين بها، فيرغبون بتكرار هذا النجاح، وهكذا سيستمر تواصل الأجيال".

جريجوريه جوتييه النجم الفرنسي والمصنف الأول عالميا يقول لـ FilGoal.com: "لعبة الاسكواش لها باع كبير في مصر، أنا أتي إلى هنا منذ 20 عاما، هي لعبة شعبية هنا ودائما تنظم البطولات في مصر تحت سفح الأهرامات وفي عديد من المدن".

وأضاف "تنظيم تلك البطولات تحت أعين الأطفال يدفعهم لمحاولة السير على نهج النجاح، ومع اهتمام الدولة وصرف الأموال، نجحت مصر في السيطرة على اللعبة".

التوزيع الجغرافي

فرامبواز كوميندي الصحفية الفرنسية المتخصصة في لعبة الاسكواش والتابعة للاتحاد الدولي للعبة "PSA" قالت لـ FilGoal.com: "هناك عديد من الأندية المنتشرة في القاهرة والإسكندرية وطنطا أيضا، ولذلك فإن الناس بإمكانهم ممارسة تلك اللعب، بإمكانهم مشاهدة النجوم الكبار أمثال محمد الشوربجي، طارق مؤمن، كريم عبد الجواد ورنيم الويليليي يمارسون اللعبة عن قرب, وهذا يتيح لهم الفرصة للتطور".

وأضافت " ما يميز مصر عن فرنسا مثلا هو التوزيع الجغرافي للأندية، في فرنسا توجد أندية في مختلف المدن، لكن في مصر تتركز الأندية في محافظتين أو ثلاث فقط، وهذا يصنع مجتمعا قويا من الناجحين في اللعبة بمكان واحد، فتكون نسبة تفوق كل من يتواجد في تلك المناطق أكبر.

رنيم الويليلي وكريم عبد الجواد يتفقان تماما مع فرامبواز..

رنيم تقول: "سهولة التواصل مع النجوم السابقين أيضا تعد ميزة بالنسبة لنا، منذ كنت طفلة كان سهلا لي أن أشاهد عمرو شبانة مثلا يلعب في نادي الجزيرة، وأن أتحدث إليه وأستفيد من خبراته، عكس إنجلترا حيث يوجد بها 20 مدينة تمارس الاسكواش، لو أن لاعبا مثلا يلعب في شيفيلد، ليس سهلا عليه أن يصل إلى أخر يعيش في لندن وأن يكون على اتصال دائم به".

أما عبد الجواد فيقول: "قد يكون عدد الممارسين لرياضة الاسكواش في مصر ليس بنفس حجم عدد الممارسين في دول أخرى مثل إنجلترا أو أمريكا، لكن تمركز الممارسين في مصر بمحافظتين فقط يعطينا الأفضلية، في الدول الأخرى يوجد لاعبين أو ثلاث ربما مميزين في كل محافظة، لكن في مصر يوجد كل المميزين في محافظتين فقط، وبالتالي تكون التنافسية أكبر وأقوى في مصر".

قاعدة الناشئين

عمر عبد العزيز المشرف على الناشئين في منتخب مصر يقول: "قرعة بطولة الجمهورية تحت 11 سنة أصبح يشارك فيها 128 لاعب".

"نوفر لهم فرص للسفر منذ الصغر لكي يحتكوا بمدارس مختلفة ونثقلهم بالخبرة والموهبة".

عمرو فكري هنا يقول: "أخر بطولة جمهورية كان مسجلا بها700 لاعب في مختلف الأعمار، لو أن 10% فقط استمروا، فهذا سيعني امتلاك مصر70 لاعب اسكواش، ولو أن 1% فقط كانوا Top Form، فهذا سيعني أننا سنمتلك 7 لاعبين عالميين في اللعبة".

الموهبة الفطرية

يقولون أيضا إن اللاعب المصري يملك الموهبة الفطرية في لعبة الاسكواش.

عمر عبد العزيز يقول: "اللاعب المصري ذكي في الملعب، تماما مثل البرازيلي مثلا في كرة القدم، لو أن البرازيل تواجه اسكتلندا، اللاعب الاسكتلندي سيكون أقوى بدنيا وحفظا لطريقة اللعب، سيعتمد على الالتحامات الجسدية والكرات الطويلة، لكن اللاعب البرازيلي سيفوز بذكاءه".

فارس الدسوقي يرى ميزة إضافية في اللاعب المصري بجانب ذكاء الملعب، فيقول: "اللاعب المصري يتميز أيضا بالروح القتالية لأخر نقطة حتى لو كنا متأخرين في النتيجة".

أما رنيم الويليلي فأسمت ذكاء الملعب بـ "الفهلوة" وتقول: "نحن موهوبين في الاسكواش لأسباب غير معلومة، في مصر لا نعتمد على العلم والهندسة في اللعب، مثلا إذا سددت الكرة في تلك الزاوية سترتد في تلك المنطقة البعيدة عن المنافس وسأفوز بنقطة، لا، نحن نمزج جزء أكبر من الخيال في اللعبة، نلعب بالفطرة أكبر من كوننا نلعب بعلم مثل باقي الدول".

قلة عدد الممارسين وغياب الإعلام

لعبة ليس لها قاعدة ممارسين كبيرة ولا تحظى باهتمام إعلامي قوي، إذا فالمعادلة الطبيعية أن يكون مردودها ضعيف، وأن لا يتفوق ممارسيها.

جوتييه النجم الفرنسي يقول: "لدينا برامج إعداد قوية للاعبين، لكن ربما أننا نحتاج لزيادة عدد الممارسين للعبة كي نكتشف مواهب أكبر، وأن تكون اللعبة متاحة في المدارس لتشجيع الطلاب على اللعب ولنشر اللعبة مثل لعبات أخرى كالتنس والرجبي وغيرها، وأن يخصص لها مساحة أكبر في الإعلام لكي نستطيع أن نصل لما وصلت إليه مصر".

وكاميل سيرم النجمة الفرنسية والمصنفة الثالثة عالميا تقول لـ FilGoal.com: "المشكلة في فرنسا مثلا أن هناك العديد من الأبطال في لعبات كثيرة مثل كرة القدم، التنس والجودو، ولذلك لا يحظى أبطال الاسكواش بالمساحة الكبيرة من التغطية الإعلامية، اللعبة تكتسب شعبية في فرنسا مع الوقت، ولكنها مازالت تحتاج المزيد".

أسرة الاسكواش في مصر لها رأي أخر..

رنيم الويليلي أولا تقول: "عددنا أقل من الدول الأخرى، لذلك نعتبر أنفسنا أسرة مترابطة".

وفرامبواز ليست مصرية، لكنها لاحظت ذلك أيضا فقالت: "ممارسي لعبة الاسكواش في مصر مثل أسرة واحدة، حين يلعب أحدهم تجد الأخرين يشجعونه بقوة، وتلك نقطة قوة لهم جميعا".

وعن الغياب الإعلامي تقول رنيم: "البعد عن الإعلام وعدم تسليط الضوء علينا قد يكون أمر سئ، لكن هو أيضا من أسباب نجاحنا، لأن تسليط الضوء مع تركيز الإعلام سيصحبه عديد من الشائعات كما يحدث مع نجوم باقي اللعبات، وهذا سيضعف من مستوانا".

شعبية اللعبة

مصر ليست دولة قوية اقتصاديا، ولعبة الاسكواش تحتاج لإمكانيات مادية قوية، فكيف يتسق ذلك مع النجاح المصري؟ كان هذا هو سؤال FilGoal.com لعمر عبد العزيز.

عمر قال: "الاسكواش لعبة الطبقة العليا؟ صحيح أنها لعب مكلفة ماديا، لكن الحكومة أنشأت ملاعب في الشوارع بمدينة نصر ومصر الجديدة، أي شخص يستطيع دخول مركز شباب نادي الجزيرة إن أراد أن يلعب اسكواش، في النهاية من يريد فعل شئ ويصر عليه سيصل لهدفه في النهاية".

خطر قادم.. هل تستمر الهيمنة المصرية؟

قد تكون لمصر اليد العليا حاليا، لكن أمريكا مثلا بدأت تهتم باللعب بشكل كبير وتخصص لها العديد من الأكاديميات والمدربين المميزين عالميا، فهل يستمر التفوق المصري؟

نيك ماثيو الأسطورة الإنجليزية في الاسكواش والمصنف الرابع عالميا بالوقت الحالي يقول ضاحكا لـ FilGoal.com: "أتمنى لو أنني أعرف سبب تفوق مصر في الاسكواش كي أوقف تفوقهم".

وأضاف "قبل أسبوعين كنا في بطولة بريطانيا المفتوحة ولم يكن هناك أي مصري في النهائي، اللعبة ستكون أولمبية قريبا وعلينا أن نعمل من الآن لمنافسة المصريين عليها مستقبلا بشكل أكبر".

كريم عبد الجواد قال في هذا الشأن: "مازال لدينا الأفضلية عن باقي الدول لسنوات مقبلة، في إنجلترا وفرنسا أبطالهم أصبحوا كبار في السن، أما نحن فلدينا قاعدة ضخمة من الأبطال صغار السن، ومازال لدينا سنوات مقبلة سنتفوق فيها بفضل تلك الأجيال".

فرامبواز تتقف مع عبد الجواد، وتقول: "منافسة أمريكا لمصر ستحتاج لوقت، هم يملكون الإمكانيات المادية ويملكون البنية التحتية والعديـــد من اللاعبين المعتزلين من مختلف الدول ومنهم مصر، الذين يسخروهم لتدريب لاعبيهم، لكن ذلك سيحتاج لوقت كبير لأن مصر بالفعل أسست قاعدة كبيرة من النابغين في الاسكواش بمختلف المراحل السنية".

عمر عبد العزيز له رغبة مختلفة، فيقول: "أتمنى أن تطور اللعبة حقا في أمريكا وباقي الدول لنجد منافسة أكبر وأكبر، تلك اللعبة تستحق أن تكون المنافسة فيها قوية، لأن المنافسة القوية ستزيد من شعبية اللعبة".

وأتم "كما أن اهتمام أمريكا باللعبة هي وباقي الدول القوية إعلاميا سيمهد لاعتمادها لعبة أولمبية، وذلك لن يسحب البساط من تحت أقدامنا، لأننا بالفعل نملك قاعدة كبيرة جدا وقوية جدا من اللاعبين. وأيضا لدينا معدل أعمار صغير من الأبطال العالميين في التصنيف العالمي".

وكاميل سيرم تتفق مع أن مصر ستظل مسيطرة لفترة، فتقول: "في حالة أصبحت اللعبة أولمبية، أعتقد أنها ستحظى بالمزيد من الدعم في فرنسا، وبالتالي قد نجد أبطال أكثر لأننا حاليا لا نملك العديد من الأبطال في الفئات العمرية الصغيرة.. وتلك هي نقطة القوة لدى مصر".