تحقيق في الجول – رغم صرف الدولة 1.6 مليار جنيه.. أشباح تهدد مواهب مصر

أينما تقطن، فبالتأكيد هناك ملعب بالنجيل الصناعي "الترتان" تستأجره مع أصدقائك لممارسة لعبتك المفضلة.. عد بالزمن قليلا، هل تتذكر عندما كنت طفلا أين كنت تلعب؟

كتب : محمد البنا

الإثنين، 14 نوفمبر 2016 - 21:32
بعض أطفال أحياء القاهرة يمارسون كرة القدم

أينما تقطن، فبالتأكيد هناك ملعب بالنجيل الصناعي "الترتان" تستأجره مع أصدقائك لممارسة لعبتك المفضلة.. عد بالزمن قليلا، هل تتذكر عندما كنت طفلا أين كنت تلعب؟

إن كنت من مواليد أوائل التسعينات والثمانينات.. هنيئا لك، فبالتأكيد لحقت بأجواء اللعب في الشوارع واستخدام حقائب المدرسة لتكون المرمى أو بعض الحجارة.

"كان في زمان حاجة اسمها اللاعب الشيطاني.. دا بيخرج من الحواري، للأسف مبقاش موجود" هكذا بدأ أحمد مصطفى الملقب بأبو الأشبال حديثه مع FilGoal.com حول سبب اختفاء المواهب الحريفة أو ندرتها.

ويحقق FilGoal.com حول الأسباب الحقيقية وراء قلة عدد المواهب في الأندية المصرية خاصة الكبرى منها والجماهيرية سواء الأهلي أو الزمالك أو الإسماعيلي.

فأصبح الأهلي يخرج عددا ليس كبيرا مثلما كان يحدث في الماضي من المواهب، آخرها رمضان صبحي ومحمود حسن "تريزيجيه"، الزمالك ستحتاج إلى التفكير قبل أن تتحدث عن اسم خرج من قطاع ناشئيه مثل محمد إبراهيم وعمر جابر.

الإسماعيلي الذي كان مهدا للناشئين في مصر يذهب للأقاليم.. هيهات أن سمعت عن أسماء بحجم حسني عبد ربه وأحمد فتحي وغيرهم.

إذن.. هناك أزمة حقيقية تهدد قطاع المواهب المصرية من الظهور في السنوات المقبلة..

أبطال التحقيق:

أوجه التحقيق:

الملاعب ومراكز الشباب

بحسب وزارة الشباب والرياضة والتقرير الرسمي الصادر منها، فقد تم الانتهاء من تنفيذ 2555 ملعب خماسي وقانوني بإجمالي تكلفة مليار و620 و811 ألف جنيه في كل أنحاء القاهرة وذلك خلال الفترة من أكتوبر 2013 وحتى يونيو 2016.

هذا بخلاف الملاعب الخاصة التي انتشرت في كل أنحاء الجمهورية ويتم تأجيرها كمشروع مُربح لصاحبه.

يقول ميدو لـFilGoal.com: "انتشار الملاعب بالتأكيد يزيد من نسبة الممارسة للعبة أكثر ويُخرج جيلا بصحة جيدة وهذا أمر إيجابي".

واتفق معه سامي الشيشيني قائلا: "من المفترض أن زيادة عدد الملاعب يتبعه زيادة عدد الممارسين".

فيرى الثنائي أن انتشار الملاعب سيعود بالنفع على الشباب المصري.. لكن ماذا عن الموهبة؟

يؤمن أنوس الذي يعمل كرئيس لقطاع الكرة في الإسماعيلي حاليا أن اللعب قديما بكرة التنس في الأحياء وكرة الجلة في القاهرة ساهمت في صقل الموهبة للصغار.

ويشرح لـFilGoal.com قائلا: "الشارع كان يفرز مواهب كثيرة، فالأطفال كانت تلعب في مساحات ضيقة وعندما تذهب للأندية كانت موهبتهم تظهر".

ويضيف أنوس "على العكس الآن، فإن الأكاديميات تقبل كل اللاعبين فيخرج لاعبون يطلق عليهم (لاعيبة متعلمة وليست موهوبة) وهؤلاء هم المنتشرين بشكل كبير".

وتابع "قديما كان الشارع ينظم مباريات بين الأحياء المجاورة.. ثم المدن بينها وبين بعضها.. ومن هنا كانت المواهب أكثر وأكثر".

انتشار الأكاديميات

مازلنا نبحث عن الموهبة؟

سيد الثعلبي نجم الاتحاد السكندري السابق ومؤسس إحدى أكاديميات كرة القدم في الإسكندرية يعترف لـFilGoal.com: "نعم الأكاديميات أصبحت مجرد بيزنس لأصحابها".

ثم استدرك "الأزمة الآن هي أن الأندية تبحث عن اللاعبين الأجهز ولا تبذل مجهودا للبحث عن المواهب".

وتابع "المدربون في الفريق الأول لا ينظرون للناشئين إلا لو كان هناك موهبة فرضت نفسها بالصدفة، وحتى مدربين القطاعات لا يذهبون للأكاديميات للبحث عن المواهب".

وأوضح الثعلبي "في الأكاديمية لدي ما يزيد عن 500 لاعب، لكن لا أحد يأتي ليتابع أو يشاهد أي منهم، وأنا أعذرهم لأن مرتبات مدربي الناشئين في الأندية لا تقبل عناء البحث والتحرك خارج التدريب".

واتفق أحمد مصطفى (أبو الأشبال) مع حديث الثعلبي قائلا: "لم يعد هناك اهتمام بالناشئين مثل السابق.. في الخمسينات والستينات كان هناك مساحة لاكتشاف المواهب".

وأوضح "كنا نطلق على اللاعب الموهوب بأنه لاعب شيطاني وهو الذي يخرج من الحواري، وازدادت مهارتهم بسبب لعب الكرة الشراب.. عكس الآن فالكرة تطورت".

وكان ضروريا أن يتحدث العنصر الذي يتعامل مع الأطفال بشكل مباشر، فاتجه FilGoal.com لسؤال أحد مدربي الأكاديميات في حلوان ويدعى كريم النجار.

الذي صرح قائلا: "المواهب ندرت جدا، وهذا يرجع لأسباب كثيرة منها أن الكرة ذاتها باتت تعتمد على اللياقة البدنية وانخفض معدل الاعتماد على المهارات مثل العهد السابق".

وأضاف "بعض الأولاد يأتون للأكاديمية وتجدهم موهوبين وهذا لا دخل لنا به، لكن الأطفال غير الموهوبين وهم كُثر نبدأ في تعليمهم وتحفيظهم كرة القدم حتى يعتادوا على اللعب".

وهذا ما كان يقصده أنوس رئيس قطاع الكرة في الإسماعيلي.

وعلى ذلك يقول علي أبو جريشة أسطورة الإسماعيلي لـFilGoal.com: "المواهب أصبحت عملة نادرة، المفروض ألا تنتظر الناس الموهب أن تحضر إليها".

وأضاف "لابد على الأندية أن تخرج للشوارع مثلما كان يحدث قديما.. أحد أسباب انتشار المواهب (الحريفة) هو اللعب في الشوارع والحل هو خروج الأندية لكل ربوع مصر للبحث عن المواهب".

وواصل "في المقاولون العرب عندما كنت مسؤولا عن الناشئين اقترحت بفتح فروع للنادي في المحافظات ومن ضمنها نادي اسمه عثماثون في طنطا، وقمنا بفتح الاختبارات التي كان من ضمنها محمد صلاح نجم روما الحالي".

واستكمل "إذا لم نقرر التوجه للأقاليم، لربما لم تظهر موهبة محمد صلاح الآن".

فما بالكم بكم من محمد صلاح لم يحصل على فرصة؟

كشاف النجوم

قبل انتشار الأكاديميات كان هناك وظيفة تسمى (كشاف النجوم) وهو شخص يذهب لكل أنحاء الجمهورية لالتقاط المواهب.

وقال أبو رجيلة لـFilGoal.com: "الاختبارات لم تعد تجدي نفعا بعد اختفاء كشاف النجوم، لأن هدفها الأول حصد ثمن الاستمارات التي يدفعها ولي الأمر لإقحام نجله في مدرسة الكرة".

وأضاف "طريقة الاختبارات تكون خاطئة، فكيف يكون لمدة نصف ساعة فقط في ملعب كبير 11 ضد 11 فالكرة لن تصل لكل لاعب أكثر من أربع أو خمس مرات فلن يتمكن من إظهار ما لديه".

وتابع "كما أن المدربين يتركون المهمة لمساعديهم أصحاب الخبرات القليلة".

ويحكي أبو رجيلة عن واقعة "كان هناك مباراة بين ناشئين الزمالك والداخلية، وجاء مدرب الفريق الأول لمشاهدة عناصر من الزمالك لضمها للفريق الأول".

وواصل "للأسف هذا الأمر لم يعد متواجد في الأندية الكبار، ولو كنت مسؤولا لقررت أن يكون هناك ثلاثة لاعبين على الأقل من الناشئين في كل فريق أول".

وأتم "قديما كنت أستقل سيارتي لمتابعة كل الناشئين واكتشفت لاعبين كبار مثل محمد حلمي وأحمد رمزي وجمال حمزة وميدو".

المدربون

بالانتقال لميدو متفقا مع ما قاله أبو رجيلة، فاستنكر عدم تطور مستوى المدربين في الناشئين.

يقول ميدو: "عدم تطور المدربين في قطاعات الناشئين السنوات الأخيرة وعدم الاهتمام بهم أدى إلى انحدار مستوى المراحل العمرية الصغيرة".

وأضاف "علم التدريب يتطور كل عام وبعض المدربين يقومون بنفس الأفكار منذ 30 سنة، فالاعتماد على المدربين يرجع فقط للأسماء بغض النظر عن الدراسة أو الكفاءة".

وأتم ميدو "لو كنت مسؤولا سأهتم بزيادة عدد الممارسين الذي يضمن صحة جيدة للجيل مع التركيز على الموهوبين لإثقال موهبتهم للحصول على منتخب قوي ودوري محلي قوي".

العين الخبيرة

ومثلما تناقش الموهبة بالنسبة للاعبين، فالأمر له علاقة وطيدة بالمدربين.

وبخلاف عملية التطور التي تحدث عنها ميدو، يتحدث علي ماهر نجم الأهلي عن العين الخبيرة التي تفتقد هذا الجانب من الهيكل الكروي المصري.

فيقول علي ماهر لـFilGoal.com: "مهم جدا لكي تُظهر لاعبين هي العين التي تبحث عنهم.. فمثلا تريزيجيه كان مرشحا للرحيل عن الأهلي وكُتب تقريرا بذلك".

وأضاف "المهم أن تعتمد على عينك أنت ولا تنتظر تقارير من المدربين الذين يعملون تحت يديك".

وواصل "في وقت معين عندما يصل الناشيء لسن معين لابد أن تقوم ببعض التدريبات المهارية وهذا للأسف لا يحدث مع الناشئين حاليا".

واستطرد قائلا: "المدربون في الأندية يقومون بالتدريبات العادية ولا يحدث ما كنا نفعله مع رمضان صبحي وتريزيجيه وعمرو جمال وحسين السيد".

ويحكي علي ماهر "عمرو وردة كنت أقول إنه موهبة لا يمكن أن يخرج من الأهلي وشبهته بأبو تريكة فكانوا يضحكون عليّ، رحل مجانا.. وها نحن نشاهده يتألق الآن".

وأشار "كهربا رحل بتقرير من الأهلي قبل أن أكون موجودا في قطاع الناشئين".

وأتم "المفروض أن الأولوية تكون للموهوب صغير السن حتى لو كان كبير السن أفضل مهارة الآن".

التسنين؟

الشبح الأخير الذي يهدد مستوى الناشئين في الكرة المصرية فهو تسنين اللاعبين.

فيقول الشيشيني لـFilGoal.com: "التسنين يهدد الناشئين في مصر.. لابد أن تعيد الدولة النظر في هذا الأمر جيدا".

وأضاف "يبحث المدربون عن البطولات، فيقومون بتسنين بعض الناشئين من أجل أن يحقق الفوز، فهو على علم بأن الفريق الأول لن ينظر إليه".

وتابع "اكتشفت أكثر من لاعب يتم تسنينه ولا نرغب في إيذاء أولياء الأمور، لكن مثلا يحضرون إليّ شهادة ميلاد مزورة لكن أذهب لمدرسة اللاعب فأتأكد من تسنينه فيتم إبعاده".

واستطرد "لابد من وجود آلية تضمن عدم لجوء الأندية للتسنين".

فيما يرى ميدو أن التسنين لم يعد منتشرا كما كان في السابق.

وأنهى أحمد مصطفى تحقيق FilGoal.com: "إذا بحثت الأندية عن المواهب في قطاعات الناشئين دون البطولات.. سيبتعدون عن التسنين وسيحققون الإنجازات للفرق الأولى".

التلخيص

من تصريحات نجوم الكرة المصرية السابقين في مختلف المواقع المسؤولة عن قطاع الناشئين يتضح أن الهدف من وجود القطاعات في الأندية غير واضح.

فبعض الأندية تعتبر الناشئين مصدر دخل لها واختفى الهدف الأسمى منه بمد الفريق الأول بلاعبين ومواهب.

الآن قامت الدولة بصرف ما يزيد عن مليار ونصف المليار جنيه في ظرف ثلاث سنوات لزيادة مساحة ممارسة كرة القدم، وهو الأمر الإيجابي الذي لمسه ممارسو اللعبة في كافة أحياء الجمهورية.

لكن البعض يرى انخفاض مستوى المواهب لانتشار هذه الملاعب، والبعض الآخر مؤمن بأن هذا يخلق جيلا في صحة جيدة.

وفي المقابل أيضا لا تنتج أكاديميات كرة القدم مواهب فذة مثلما هو المفترض أن يكون.. والسبب؟ "البيزنس".

-----

شارك في التحقيق:

ياسر الشريف - هاني العوضي - خالد صلاح - بسام أبو بكر - أحمد الخولي