كتب : محمد الفولي
أشهر ميدانين في القرية هما (بلاثا جران) و(بلاثا دي لاجينيراليتات)..ذلك الأخير أصبح معروفا الآن بين السكان بإسم "الميدان الذي شهد ولادة جوارديولا"، حيث كان يخرج هناك كل يوم تقريبا في صيف 1979 وهو يحمل الكرة من أجل هدف واحد وهو اللعب.
كان منزل جوارديولا يقع في الميدان الثاني ويحمل تحديدا الرقم 15، حيث كان يخرج ذلك الفتى النحيف للغاية بساقين مثل القشتين يوميا نحو وسط الميدان للعب انتظارا لوصول باقي العصابة ومن ضمنها جارته بيلار..
نعم كانت هناك فتاة وسط كل هذا!
--
يستعرض FilGoal.com كتابا جديدا.. "طريقة أخرى للفوز" الذي يحكي حياة المدرب الإسباني بيب جوارديولا منذ طفولته وحتى رحيله عن برشلونة.
هو واحد من انجح الكتب الرياضية في السوق الإسباني وترجم لعدة لغات، ويقدم الكثير من القصص والحكايات عن مسيرة جوارديولا ولاعب والصعوبات التي واجهها بجانب شرح الكثير من الجوانب الفنية والتكتيكية في مسيرته التي قادته ليصبح واحد من أبرز المدربين في الوقت الحالي، هذا بجانب حوارات مع المدرب نفسه وعدد من لاعبيه ومنافسيه.
وألف الكتاب الصحفي الإسباني المخضرم جييم بالاجيه، صاحب الخبرة الكبيرة في المجال الرياضي بالعمل مع كل من (سكاي سبورتس) و(آس) و(تيليجراف) و(بليتشر ريبورت).
--
بروتوكولات بيب
كان جوارديولا يلعب قبل وبعد المدرسة فالكرة لم تكن تفارقه أبدا ودائما ما كانت أي وجبة عائلية تبد بصراخ من والدته "اترك الكرة لمدة خمس دقائق وتعال هنا".. لقد كانت الحياة حينها أقل صخبا وأكثر هدوءا خاصة بالنسبة لعائلة جوارديولا الذي كان والده عامل بناء.
كيف كانت بساطة الحياة حينها؟ يصفها جوارديولا بقوله "كنت تخرج للميدان وتقضي الوقت بلعب الكرة حتى تستدعيك والدتك أو يحل الليل ولا يمكنك رؤية الكرة، البروتوكولات كانت أقل، لم تكن في حاجة للذهاب لملعب لاقامة مباراة.. لم يكن هناك وقت محدد لأي شيء، لم يكن هناك مرمى أو شباك أو لافتات تمنع لعب الكرة في الشوارع".
كان المرمى عبارة عن أحد أبواب الصاج الحديدية التقليدية لمرآب سيارات فيما أن الشجار الدائم بخصوص من يجب أن يحرس المرمى كان ينتهي بالدفع بالفتاة بيلار في هذا المركز.
كانت تسديداتها تصل بعيدا ويمكنها التصدي للكرات وطوال عقد من الزمان استفاد فريق القرية النسائي من الخبرة التي اكتسبتها من اللعب مع بيب وباقي المجموعة.
من مع جواردي؟
النزاع الأخر كان يتعلق بتشكيل الفريق ومن يحق له اللعب مع "جواردي" كما كان يدعوه الأصدقاء، واذا ما كنت محظوظا باللعب معه فإن التكتيك كان بسيطا وواضحا: مرر له الكرة! لقد كانوا جميعا يدركون أن لديه شيء مختلف لا يمتلكونه.
حاليا ترك بيب تأثيرا كبيرا في قريته بملصقات صوره المنتشرة في كل مكان والحانات والملاعب التي تحمل إسمه، ولكن سانتبيدور هي الأخرى أورثت جوارديولا العديد من الخصال: تلك النزعة الوطنية الكتالونية فأعلام الاقليم منتشرة في كل مكان ولا حديث سوى بهذه اللغة بجانب رسومات الجرافيتي المنتشرة على الحوائط لتعزيز تلك الهوية.
يمكن تلخيص قصة جوارديولا مع سانتبيدور بأنها القرية التي رغب دائما جوارديولا في الخروج منها ولكنها تعد مرجعيته الأولى في الحياة.
هناك استقى من والده فالينتي عامل البناء تلك القيم القديمة التي كانت تغني عن النقود وأهمها الكرامة والاعتزاز بالنفس.
بلاتيني
بالعودة لطفولة جوارديولا مجددا، تحديدا في غرفته التي كان يعود لها بعد غروب الشمس والانتهاء من لاعب الكرة فإن صورة الفرنسي ميشيل بلاتيني كانت تشغل حيزا كبيرا من مساحتها الصغيرة..
لم يره بيب أبدا يلعب ولكن سمع عنه من والده وجده ومدى مهارته وقدرته على القيادة.
بعدها بخمس سنوات ستتاج لجوارديولا الفرصة حينما كان جامعا للكرات في ملعب كامب نو فرصة مشاهدة بلاتيني ومحاولة طلب توقيعه ولكنه سيتعلم لاحقا درسا ضروريا سيساعده مستقبلا في التعامل مع ليونيل ميسي، ولكن هذه قصة أخرى لن تروى تفاصيلها الآن.
كلوب جيمناستيك
بطبيعة الحال كان لا بد وأن يثير لاعب موهوب مثل جوارديولا اهتمام الأندية المحلية وهو ما حدث أثناء مشاركته في احدى المبارايات المدرسية حيث اقترب كشافو فريق (كلوب جيمناستيك) منه وتحدثوا مع والده الذي سمح لبيب بالتدريب مرتين أو ثلاثة أسبوعيا مع الفريق.
واصل جوارديولا هناك رحلة تعلم المبادىء وأهمها: "لا تدهس أحدا ولكن لا تترك أحدا يدهسك، ارفع دائما رأسك ولا تلمس الكرة بنفسك أكثر من مرتين، لا تكن أنانيا ولا ترفع الكرة من على الأرض".. اذا كانت القاعدة الذهبية في كرة القدم تتمثل في وجود مدربين جيدا، فإن حظ جوارديولا كان ذهبيا.
كان فريق جوارديولا المفضل بكل تأكيد هو برشلونة لأن كل القرية كانت كذلك باستثناء شخص واحد وهو جد بيب الذي كان المشجع الوحيد لفريق اسبانيول هناك بل وكان يعلق في بعض الأحيان ملصقا للاعبي الفريق في صالة المنزل.
كان قريب أحد زملاء جوارديولا في فريق جيمناستيك يمتلك بطاقة عضوية في نادي برشلونة، لذا فإن بيب اقترح عليه فكرة استعارته للذهاب لمشاهدة مباراة للنادي الكتالوني في ملعب كامب نو.
كامب نو
شهد عام 1982 أول تواجد لجوارديولا في كامب نو كمتفرج على مباراة بين البرسا وأوساسونا حيث كان الشارع المؤدي نحو الاستاد بمثابة نهر مليء بالأشخاص المتحمسين والأوفياء.
واختبر بيب "مجموعة من مشاعر السعادة والحماس والرائعة" لكونه جزء من شيء كبير وعظيم حيث يتذكر قوله حينها "لو كان الأمر بيدي لدفعت الملايين من أجل اللعب في هذا الاستاد".
ولعب بيب أثناء تواجده في قطاع الناشئين بجيمناستيك في عدة وديات ضد فرق الناشئين بالبرسا حيث شكلت هذه المواجهات بالنسبة له مصدرا للدروس القيمة حول حدوده وإمكانايته الخاصة هو وفريقه.
صحيح أنه كان كان الأفضل بين زملاءه ولكن ليس بين جميع منافسيه الذين ارتدوا قميص النادي الكتالوني.
كان والد جوارديولا يشعر برغبة ابنه صاحب الـ11 عاما في اللعب بإسم برشلونة لذا لم يتوان عن ملء استمارة منشورة في جريدة رياضية تقدم فرصة المشاركة في مجموعة من الاختبارات مع النادي، دون أن يدرك بيب هذا الأمر.
في أحد الأيام دخل فالينتي على ابنه وقال له "يرغبون في مشاهدتك ببرشلونة".
ولكن في اليوم الأول للاختبارات بأحد الملاعب الملاصقة لكامب نو لم تسر الأمور على ما يرام: كان جوارديولا يشعر بعصبية شديدة وتوتر كبير ولعب بصورة سيئة.
حينما ذهب للمنزل لم يتمكن من النوم، ثم طلبوا منه اجراء اختبار آخر على أن يلعب كظهير ولكنه لم يكن سريعا أو يتمتع بالمهارات الكافية.. يوم جديد سيء!
اختبار أخير
لم يرغب التوفيق في التخلي عن جوارديولا، لذا منحوا له فرصة جديدة واختبار أخير حيث شارك كلاعب وسط ليثبت بيب أنه أشبه بمغناطيس يعمل على جذب الكرة ليقود اللعب الهجومي ويحدد وتيرته، لقد كان ما قدمه كافيا للغاية وقرر برشلونة التعاقد معه.
احتفظ فالينتي بهذه المعلومة لنفسه حيث كان لا يزال يسعى للتأكد اذا ما كان هذا القرار هو الأفضل لصالح ولده أم لا حيث كان يشعر بالقلق هو وزوجته دولورس من أن تصيب الرحلات المتكررة لبرشلونة "جواردي" بالارهاق لذا فإنه بعد التشاور مع عدد من المقربين منه أبلغ ادارة النادي الكتالوني برفض العرض.
كان يعتقد حينها أن بيب صغير للغاية على الانضمام لأكاديمية لا ماسيا والعيش بعيدا عن العائلة، لم يؤمن بتحليه بالقوة الكافية للمنافسة وتحمل الضغط الناجم عنها لتمر السنوات دون أن تتوقف الكرة عن كونها قطعة أساسية في روتين عائلة جوارديولا الذي أصبح قائد فريق جيمناستيك في فئته العمرية في ظل ابتعاد حلم البرسا..
فجأة وبدون أي مقدمات دق برشلونة الباب مجددا حيث كانت الرسالة التي تلقاها فالينتي محددة وواضحة "علينا أن نجلس للحديث بخصوص الفتى"، وبالفعل تم الاجتماع واستمع للعرض ثم ذهب بعدها للمنزل لتتشاور العائلة بأكملها حيث قرر الموافقة على المقترح.. حينها كان عمر بيب 13 عاما.
لم تكن الكرة حتى هذه اللحظة في حياة جوارديولا أكثر من مجرد لعبة، ولكن هذه الخطوة جعلتها شيئا لا يمكن التخلي عنه لأنه كانت لديه فرصة لتحويلها إلى أمر تتمحور حوله حياته في النادي الذي يعشقه.
استمع بيب لنصائح والده جيدا وفهم ما هو مطلوب منه والمخاطر الموجودة: سيرحل عن عائلته وقريته وكل ما كان يعرفه في تلك الفترة لينتقل للمعيشة في مدينة كبرى لكي يصبح لاعب كرة قدم محترف بعد فترة مليئة بالأوقات العصيبة والخوف العائلي.