أحمد سعيد

مستر بريزيدنت

رحم الله تلك الأيام التي كانوا ينادون فيها رؤساء الأندية إما بلقب "الكابتن" أو "الحاج". فمنذ أصبح يطلق عليهم لقب "مستر" والكرة المصرية تدفع ثمنا غاليا بدخولهم سباق الانتخابات من أجل كل شئ باستثناء الرياضة.<br>
الثلاثاء، 09 أغسطس 2011 - 18:21
رحم الله تلك الأيام التي كانوا ينادون فيها رؤساء الأندية إما بلقب "الكابتن" أو "الحاج". فمنذ أصبح يطلق عليهم لقب "مستر" والكرة المصرية تدفع ثمنا غاليا بدخولهم سباق الانتخابات من أجل كل شئ باستثناء الرياضة.

فاللقب المعتمد لعدد من رؤساء أندية الممتاز أصبح الآن "مستر" في المؤتمرات الصحفية واللقاءات التليفزيونية بل وفي بعض الأحاديث العادية: فهناك مستر كامل في المصري، ومستر سميح في الجونة، ومستر ماجد في وادي دجلة، وأخيرا مستر يحيى في الإسماعيلي.

ومع الاحترام لشخوص هؤلاء، وخاصة ماجد سامي وتجربته الرائعة مع وادي دجلة، فإن ظهور "مستر بريزيدنت" في الأندية المصرية يشكل نوعا ثالثا ومقلقا بل وغير مرغوب فيه من الرؤساء الهابطين على ملاعب الكرة بطائرة خاصة جناحيها من مال ومحركها من طمع في شهرة ووجاهة اجتماعية.

فالنوع الأول من الرؤساء وهو "الكابتن" نعرفه جميعا. هو رجل مارس أحد اللعبات الرياضية (كرة القدم في الأغلب) وتدرج في المناصب الإدارية بعد الاعتزال حتى وصل إلى كرسي الرئاسة.

وأغلب النجاحات التي حققتها الأندية المصرية الكبرى كانت تحت قيادة كباتن كبار أمثال صالح سليم وتلاه حسن حمدي في الأهلي، ومحمد حسن حلمي ونور الدالي ثم كمال درويش في الزمالك.

وقد كان الدالي مهندسا ولكن شهادة الهندسة لم تصل به إلى كرسي الرئاسة في الزمالك، بل كونه أحد أهم لاعبي فريق الكرة في الخمسينات ما ينطبق أيضا على الدكتور كمال درويش ولكن في كرة اليد.

وأي من هؤلاء الكباتن كان يعلم تماما ما هي الرياضة، وماذا يعني أن تكون عضوا في فريق، وما الذي تحتاجه كي تحقق بطولة وتصنع نجوما، لأنه مر بكل هذه المراحل من قبل، وبات ملما بها فنيا ثم إداريا من خلال التدرج في مناصب متتالية بدون قفز أو تسلق.

وهناك "الحاج" وهو نموذج أخر لا يقل احتراما عن سابقه. فهذا الرجل غالبا من أبناء المدينة التي يتخذها النادي مقرا له، وكان مشجعا له على مدار سنين. هو رجل أعمال ميسور الحال، معروف مجال عمله، يملك أموالا مكشوفة المصدر، كان يساهم دائما بجزء منها حتى وهو خارج مجلس الإدارة.

أعظم فترات النادي الإسماعيلي كانت تحت رئاسة عثمان أحمد عثمان، المولود في مدينة الإسماعيلية، والذي قاد فريق الكرة للحصول الدوري المصري ودوري أبطال إفريقيا إلى جانب إسهاماته في إقامة مباريات ودية خصص دخلها لصالح المجهود الحربي في بداية السبعينات.

الحاج سيد متولي أيضا كان مثالا على هذا النوع من الرؤساء سواء اختلفت معه في الرأي أو وافقته .. رحمة الله عليه. فقد كان مشجعا للنادي المصري البورسعيدي قبل أن يكون رئيسا له بل وقد يكون أطول من تولى مقعد رئاسة ناد، وكان مساندا داعما للفريق طوال الوقت بدون مقابل.

أما معظم أبناء فصيلة "المستر" لا هم ذلك أو ذاك. أغلبهم لم يمارس الرياضة، أو يعشق ناديا، أو حتى يدرس الإدارة كي يكون مؤهلا لرئاسة ناد جماهيري، يرتبط به عاطفيا الآلاف وأحيانا الملايين، ولكنه يسعى للكرسي كي يتمتع بشهرة ومكانة يفتقر إليها رغم ملايينه التي غالبا تأتي من مصادر غير معروفة.

فالمستر في أغلب الأحيان يأتي بالتعيين من قبل محافظ يريد الابتعاد عن "دوشة الكرة" أو من المجلس القومي للرياضة كي يرفع عن كاهله حمل التمويل. يأتي على بساط سحري من الوعود البراقة والنقود التي لا عدد لها، ليبرم صفقات بالملايين مع لاعبين ومدربين يحوذ بها على ثقة وحب الجماهير.

هذه الصفقات تتحول مع الوقت إلى أحجار ضخمة تجر النادي إلى أعماق محيط من الديون، فالمستر كان ينفق من أمواله الخاصة، فلا تنطبق عليه قوانين إهدار المال العام، ويحصل بموجبها على إيصالات أمانة وشيكات ومستندات تجعله دائنا لهذا النادي بدلا من أن يكون منقذا له.

وحين تأتي اللحظة الديمقراطية الحاسمة، التي ينبغي فيها لأصحاب هذا النادي الأصليين تقرير مصيرهم، فإنهم يكونون أمام خيار من اثنين، إما احتمال المستر مهما بلغ غروره وجهله، وإما الاستعداد لمواجهة محضر المحكمة بعبارته الشهيرة "يا الدفع .. يا الحجز".

وحينما يتمكن هذا المستر من لي ذراع النادي، فإنه يتصرف كأنه المالك الأوحد والمطلق في كل الأمور. يفرض آرائه الغبية على أعضاء مجلس إدارته بفلوسه، ويلوح بالاستقالة كلما رفع أحدهم صوت معارض في وجهه، ويحتكر الظهور الإعلامي، والتصريحات العنترية حتى ينال مراده من الشهرة والوجاهة.

وحتى إذا خرج المستر بأعجوبة من النادي الذي احتله بوضع اليد، قد لا يتورع عن الهبوط بالبراشوت على ناد أخر، مثلما فعل أحد هؤلاء مؤخرا من الترشح في انتخابات ناد قاهري على مقعد الرئاسة رغم أنه لم يكون يوما من ضمن كوادر هذا النادي ولا رجالاته أو أعمدته ... ولكنه سقط بالثلاثة!

تزايد رجال الأعمال من فئة المستر على رأس الأندية هو ما يرفع أسعار اللاعبين إلى مستويات مجنونة، لا تناسب إمكانياتهم أو ما يقدموه ماليا وفنيا من عائد للنادي الذي يلعبون له. وجود المستر هو أيضا ما يصعب من قدرة الجمهور على تقبل الوضع المالي لناديه، ولا يجعل طموحاته منطقية في ظل توفر حل جاهز حتى وإن كان بداية الطريق لكارثة في المستقبل.

ورغم كل هذه المصائب، فأنت غالبا لن ترى أي مستر بريزيدنت في قفص الإدانة أبدا، لأن الثورة لم تصل بعد إلى الكرة.

للتواصل

Facebook.com/Ahmad.Sa3eed