كتب : أحمد العريان | الأربعاء، 02 مارس 2022 - 03:33

لأن مبادئ لعبتهم تتجزأ.. استمتعوا بـ كرة القدم الجميلة لكن لا تصدقوا معاييرها

لأن مبادئ الكرة تتجزأ.. استمتعوا بلعبتهم الجميلة لكن لا تصدقوا معاييرها

كرة القدم حياة مصغرة. هكذا أمنت وصدقت منذ كنت طفلا لا يفوت أي مباراة يبثها تلفاز منزلي، وهكذا مازلت أؤمن بأنها نموذج مصغر لحياة كبيرة، لكن تدور أحداثها على أرض الملعب.

لعبة تدور مبادئها الأساسية حول “My Game is Fair Play” وأهم ما يميزها كما علمونا هو توحيد الشعوب، وأنها لا ترحب بالسياسة بين أركانها. كلها مبادئ جميلة، لكنها وكما هو حال مبادئ العالم كلها، مزيفة حتى يتم اختبارها.

وفي هذه الأيام، اختبرنا مبادئ مجتمع الرياضة الدولي.

قبل أيام، تحركت القوات الروسية في غزو للأراضي الأوكرانية، وسط تنديد المجتمع الدولي كله بالعدوان الروسي غير المبرر.

عدوان قوبل بوابل من ردود الفعل الرياضية الهادفة إلى عزل روسيا تماما في إطار طرق الضغط على فيلادمير بوتين رئيس روسيا للعودة عن قراره باستمرار تلك الحرب.

قرارات رسمية متسارعة

-الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قرر استبعاد روسيا من المشاركة في ملحق تصفيات كأس العالم 2022 بعد رفض منتخب بولندا خوض المباراة أمام روسيا.

-الاتحادان الدولي والأوروبي أصدرا بيانا مشتركا، أعلنا فيه إيقاف كل المنتخبات والأندية الروسية عن المشاركة في كل المنافسات حتى إشعار آخر.

-اتحاد ألعاب القوى قرر منع كافة الرياضيين الروسيين والبيلاروسيين من المشاركة في كافة المنافسات، بما في ذلك كأس العالم المقبل.

-الاتحاد الدولي للعبة الجودو سحب الرئاسة الشرفية من فيلادمير بوتين.

-الاتحاد الدولي للعبة التايكوندو قرر سحب الحزام الأسود من فيلادمير بوتين.

-الاتحاد الدولي لكرة الطائرة قرر سحب تنظيم كأس العالم من روسيا عقابا لها على الغزو لـ أوكرانيا.

-الاتحاد الدولي لـ التنس قرر تعليق مشاركات روسيا وبيلاروسيا في أحداثه الدولية.

-شركة أديداس قررت تعليق اتفاقيتها مع الاتحاد الروسي لكرة القدم بشأن مدهم بملابس المنتخبات.

حسب تليجراف وBBC، قرر الاتحاد الأوروبي تجميد أصول الملياردير الروسي أليشر عثمانوف المساهم في نادي إيفرتون. تشمل القيود حظر إتاحة الأموال والسفر داخل الاتحاد الأوروبي. ترعى شركة USM Holdings المملوكة لعثمانوف أرض تدريب إيفرتون ويمتلك التسمية الحصرية ل ملعب إيفرتون الجديد.

ولم تتوقف المواقف عند القرارات الرسمية، فأصبحت شعارات "لا لخلط السياسة بالرياضة" الآن أقل تواجدا.

في الدوري الإنجليزي، دخلوا المباريات تحت أنغام النشيد الأوكراني ورفعوا العلم الأصفر والأزرق. وفي الدوري الإسباني أضافوا جملة "Stop War" بجانب نتيجة المباريات.

May be an image of 7 people, people playing sport and text

ماتي كاش لاعب أستون فيلا سجل هدفا خلال الجولة الحالية أمام برايتون وذهب أمام الكاميرات وخلع قميصه ليظهر قميصا مكتوب عليه "توماس كيدزورا وعائلتك، ابقوا أقوياء يا أخي" دعما إلى صديقه توماس كيدزورا لاعب دينامو كييف الأوكراني.

Image

الحكم جون بروكس أشهر بطاقة صفراء لـ ماتي كاش، لكن صحيفة "ديلي ميل" كشفت سريعا في اليوم التالي إن الإنذار لم يكن لاستخدام العبارات السياسية، لكن بسبب خلع القميص.

الصحيفة قالت م يكن كاش ليتلقى هذا الإنذار إذا رفع قميصه ليكشف عن الكلمات المكتوبة دون أن يخلع القميص، حيث تم تشجيع الحكام على السماح بإظهار الدعم والتعاطف لكل من تأثر بالأحداث في أوكرانيا".

دخول السياسة في الرياضة بات مسموحا به الآن إذا. وهذا ما سيدفعنا للتفكير قليلا.

بداية أنا أحترم تلك المواقف وأشجعها، وأشجع كل موقف يعادي أي حرب ويبحث عن السلام، ولكن..

فكرت قبل الكتابة، بأن وقت معاناة أحد الفصائل وتعاطف الناس معه، لا يكون هذا التوقيت المثالي لإبعاد الناس عن تعاطفهم مع هذا الفصيل من أجل قضية أخرى لن تتضرر إذا أجلت الحديث عنها إلى وقت لاحق، لكن في حقيقة الأمر أرى القضية مختلفة هذه المرة.

_ _ _

في فلسطين، نشهد المذابح منذ عشرات السنين. يُقتل الأطفال وتمارس كل أساليب العنصرية على أطفالنا دون أن يحرك هذا المجتمع الدولي ساكنا.

سلطات الاحتلال منعت إقامة ملاعب في قرى بورين، وبيت آمر، وبيت فوريك، منذ عام 2010؛ وفي شهر أبريل 2012 بدأ تشييد ملعب سعد صايل في بيت فوريك، بحضور ممثلين عن فيفا والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم؛ وخلال المرحلة الأولى من بناء الملعب، قامت قوة مسلحة إسرائيلية مدعمة بعناصر من الإدارة المدنية بهدم الملعب، وأمرت بوقف عملية البناء، وهددت بسجن العمال ومصادرة الآلات.

كما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بناء ملعب بيت آمر؛ بحجة أن الملعب يشكل تهديدًا للأمن.

قوات الاحتلال كذلك منعت بناء ملعب بورين؛ حيث اقتحمت قوات إسرائيلية الموقع ومنعت الأعمال التحضيرية للبناء". وفي 21 يوليو 2015 منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إنشاء ملعب كرة القدم في وادي فوكين.

ولم تكتف آلة القتل الإسرائيلية بمنع تشييد البنية التحتية الرياضية في فلسطين، بل عملت على هدم البنية التحتية القائمة كذلك، لدرجة مهاجمة بعضها بالطائرات الحربية وقصفها بالصواريخ، كما حدث في 8 فبراير 2008 عندما قصفت مدرج ملعب رفح البلدي؛ وقصفت ملعب فلسطين في مدينة غزة في 17 نوفمبر 2012، وملعب اليرموك في 21 نوفمبر 2012، وكذلك قصفت مقر اللجنة الأولمبية الفلسطينية، واتحاد كرة القدم، وأندية اتحاد الشجاعية وأهلي النصيرات وخدمات دير البلح، وشباب جباليا، ونادي الشمس، ونادي الشهداء، وجماعي رفح، كما قصفت ملعب بيت حانون في 26 مارس 2019.

بدأنا بالأهون، فلو كانت الأمور توقفت عند الغلق والهدم، لهانت. لكن الاحتلال طالما استهدف أرواح الرياضيين الفلسطينيين.

حسب تقرير نشر في صحيفة الحياة الجديدة الفسطينية بتاريخ 31 ديسمبر 2014 من إعداد الصحفي الفلسطيني روحي درابية ونجله محمد تحت عنوان "بيت حانون تعمد مسيرتها الرياضية بالدم"- بلغ عدد الشهداء من الرياضيين الفلسطينيين منذ عام 2000 وحتى تاريخه، (540) شهيداً.

وحسب تقرير لروحي درابية تحت عنوان "حتى من دخل البيت الرياضي، لم يعد آمناً؟!" نشر على موقع "قدس سبورت" بتاريخ 31 ديسمبر 2018، استشهد منذ عام 1967 حتى تاريخه أكثر من 700 شهيدًا بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين، من كوادر الحركة الرياضية الفلسطينية.

المعلومات السابقة منقولة من وكالة الأنباء الفلسطينية.

ولا تتوقف المضايقات عند المسابقات المحلية. في عام 2015، اعتقلت سلطات الاحتلات اللاعب سامح مراعبة أثناء عودته رفقة منتخب فلسطين من قطر بعد المشاركة في بطولة كأس التحدي، والسبب المزعوم؟ التعاون مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

بيان من الاتحاد الفلسطيني أشار وقتها إلى أن اعتقال مراعبة، جاء بعد يوم واحد من منع سلطات الاحتلال لـ9 مدربين من أبناء قطاع غزة من الالتحاق بالدورة الأولى للمدربين التي ينظمها الاتحاد الآسيوي في الضفة، واستهجن ما حدث معتبرا إياه "ضرب بكل المواثيق الرياضية والدولية عرض الحائط".

لكن الاحتلال زعم أن اللاعب صاحب الـ22 عاما وقتها عقد جلسة مع طلال شريم - ناشط عسكري في حماس كان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة، وقد أفرج عنه ونقل إلى خارج البلاد في إطار "صفقة شاليط" - بقطر.

تبيّن من التحقيق مع مراعبة - بحسب ما ذكرت سلطات الاحتلال - أنّه قبل رحيله إلى قطر مع المنتخب، توجّه إليه مؤيد شريم، ناشط في حركة حماس بمدينة قلقيلية ورئيس ناديه في ذات الوقت، وطلب منه مقابلة طلال في قطر.

أعلن (الشاباك) أنّه سيتم التحقيق مع مراعبة في محكمة عسكرية بالضفة الغربية.

وفي العاشر من يونيو 2014 أرسلت وزيرة الرياضة الإسرائيلية ليمور ليفنات رسالة لرئيس الفيفا آنذاك جوزيف بلاتر، تعرب فيها عن استيائها لأن لاعب كرة القدم الفلسطيني "تلقّى أموالا من حماس"، وطلبت ليفنات من بلاتر أن "يطلب من السلطة الفلسطينية إدانة الحادث، والعمل لمنع تكرار حوادث مماثلة في المستقبل".

معاناة حكاها سامح مراعبة بنفسه لـFilGoal.com في وقت سابق خلال تحقيق أجراه الزميل لؤي هشام عن معاناة الرياضة الفلسطينية مع الاحتلال. (طالع التحقيق كاملا)

"كنت مسافرا مع المنتخب الفلسطيني وكان أول معسكر لي بقطر وأثناء العودة تم احتجازي لمدة 5 ساعات وبعدها جاء أمر الاعتقال".

"استغربت مما حدث للغاية وظننت أن هناك سوء فهم، ولكني بقيت بمركز تحقيق الجلمة لمدة 45 يوما".

"كانت أياما صعبة للغاية.. تحقيقات مطولة وضغط نفسي. وجهوا لي اتهامات عدة وأشعروني وكأنهم يعرفون عني كل شيء، كانوا يسألون عن كل شيء في حياتي وكل حركة قمت بها، واستمريت على نفس الحال حتى تم نقلي لسجن مجدو المركزي".

"هناك كانت الأوضاع المعيشية أسوأ بكثير، وحرموني من زيارة أهلي لمدة 7 أشهر وكانت الزيارة لمدة 45 دقيقة فقط لا غير عبر الهاتف وبيننا زجاج عازل، لا يُسمح لنا بالجلوس معا".

"نزلت إلى محاكم عديدة ووجهت إلي اتهامات مختلفة، كنت دائما أخبرهم أنني رياضي ولاعب كرة ليس لي علاقة بالسياسة ولكن لم يستمع لي أحد وبقيت بالسجن مدة 8 أشهر".

"عانيت من التعذيب النفسي داخل الزنازين إذ كانت دائما الإضاءة منخفضة وأحيانا كانوا يطفئنوها لتجلس في العتمة فترات طويلة، كذلك كان يأتي أشخاص ويصدرون أصواتا صاخبة فوق رأسي حتى لا أتمكن من النوم".

"أخبروني أن حياتي الرياضية انتهت: إما إجباري على الاعتراف بأشياء لم أقم بها وإما تدمير مسيرتي الكروية".

في السابع من ديسمبر 2014 قررت سلطات الاحتلال الإفراج عن مراعبة من محكمة سالم العسكرية بالقرب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد أن تم تجديد الاعتقال الإداري بحقه عدة مرات.

استُقبل لاعب شباب الخليل حينها في مسقط رأسه بمدينة قلقيلية استقبال الأبطال، وجهزت عائلته استقبالا حافلا في المدينة سعادةً بعودة ابنهم المحرر، ثم تلقى استدعاء من المنتخب بعدها بعدة أيام.

_ _ _

تنص مبادئ فيفا على منع تأسيس كيانات رياضية على أسس عنصرية، في حين بأن فريق مثل بيتار القدس في إسرائيل اعتاد جمهوره ترديد هتفات "الموت للعرب"، و"أنا أكره كل العرب".

بيتار القدس

نشبت أزمة كبرى عام 2013 حين قرر أركادي جايدماك رجل الأعمال الروسي اليهودي الذي يملك بيتار، توقيع عقد لاستقدام لاعبين مسلمين، هما زاور ساداييف وجابرييل كادييف من الشيشان.

قوبل قراره بحملة احتجاج من قبل مؤيدي الفريق الذين حملوا لافتة ضخمة مناهضة للمسلمين والعرب كتب عليها "بيتار نقي إلى الأبد"، وهتفوا "الموت للعرب"، وهددوا بإحراق النادي .

ولم تكن مجرد تهديدات فحسب، فقد أحرق المناصرون مقر النادي بالفعل، وقال المتحدث بإسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد أنذاك عبر BBC "هذا الحادث جاء على خلفية التهديدات العنصرية من قبل بعض أنصار فريق بيتار المحتجين على إدخال مسلمين إلى الفريق".

ووجد قادة الحكومة أنفسهم في مواجهة ممارسات عنصرية لا تطال عرب الدولة فقط بل تمتد إلى المسلمين في كل مكان، فدعا رئيس الوزراء حينها بنيامين نتنياهو، وهو من مؤيدي فريق بيتار المعروفين، أنصار الفريق للكف عن ممارساتهم المتطرفة.

كان هذا جزء لا كل ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في أراضينا العربية، فما هي ردة الفعل؟

تمارس إسرائيل حياتها الرياضية بشكل طبيعي ودون أي قيود دولية. وحين يحاول أي كيان إظهار رفضه لممارسات الاحتلال، فلا يجد إلا عبارة "لا لخلط السياسة بالرياضة" رادعا.

في أغسطس 2016 مثلا كان فريق سيلتيك الإسكتلندي في مواجهة مع هابويل تل أبيب ضمن منافسات دوري أبطال أوروبا.

وبسبب سابق المعرفة بدعم جماهير سيلتيك للقضية الفلسطينية، كان الاتحاد الأوروبي سباقا بإصدار بيان تحذيري لجماهير سيلتيك يحذرون فيه من رفع لافتات سياسية أثناء المباراة.

جماهير سيلتيك رفعت أعلام فلسطين خلال المباراة، فكانت العقوبة هي 10 ألاف يورو على النادي.

جماهير سيلتيك دشنت حملة لجمع المبلغ لدفعه، بجانب حملة أخرى لجمع الأموال لصالح لمنظمات خيرية فلسطينة.

ربما يردد البعض بأن الموقف العالمي تجاه فلسطين يختلف عن أوكرانيا وأن ما يصل لهم هو أن إسرائيل تدافع فقط عن نفسها أمام الهجمات الفلسطينية -هكذا يصدر الإعلام المشهد- لكن الحقيقة ليست كذلك.

فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة بموجب قرار 67/19 الصادر في 29 نوفمبر 2012، والذي نص على رفع فلسطين من كيان غير عضو إلى دولة غير عضو.

وفي كل مرة تشن جيوش الاحتلال هجماتها على فلسطين، أو على أقل تقدير على الأراضي الفلسطينية في نظر المجتمع الدولي، تصدر مشاريع قرارات مجلس الأمن بإدانة ما تفعله إسرائيل، وبعضها مُرر بالفعل. هذا يعني اعتراف دولي بأن ما تقوم به إسرائيل ليس قانونيا أو يدخل فقط تحت عباءة الدفاع عن النفس، لكن في نفس الوقت لا نجد هذه المواقف من الاتحادات الرياضية الدولية.

حدثت كل تلك الوقائع وستتكرر ولن تجد نفس الدعم العالمي لـ أوكرانيا، ولا أكتب هنا للمطالبة بأن نعاملهم بالمثل بعدم إظهار الدعم للشعب الأوكراني الذي يٌجبر على التهجير بسبب حرب لا فائدة منها.

سيبقى الوضع هكذا طالما أننا الطرف الأضعف في المعادلة. تعاطف مؤسسات العالم مع قضية أوكرانيا وأي قضية، ليس تعاطفا مع الحق أمام الباطل، وإنما تعاطف الأطراف التي تلاقت مصالحها على موقف ما فقط، ولو كانت أوكرانيا بنفس طبيعتها الجغرافية والديموجرافية في حرب أخرى لن تضر هذه المؤسسات، لما لاقت هذا التعاطف ولا الاهتمام الإعلامي الواسع لأن المبادئ في عالمنا -وبعيدا عن "يوتوبيا"-، نعم تتجزأ.

سنستمر في دعم قضيتنا كل بسلاحه مثلما أنا بقلمي، وسيستمر المنع والتكميم إلى أن يتبدل الحال يوما وتتلاقى المصالح، ووقتها سيتذكر المجتمع –مدعي النزاهة- بأن أرواح عرب فلسطين تساوي في قيمتها نفس قيمة الأرواح النوردية في أوكرانيا وباقي قارتهم.

فرجاء، استمتعوا بكرة القدم لكن لا تصدقوا مبادئهم المجتزأة.

التعليقات