ليبي .. أو كيف تنقذ الكرة الإيطالية وأنت تدخن السيجار

الثلاثاء، 11 أبريل 2017 - 15:50

كتب : إسلام مجدي

مارشيللو ليبي

لقبته صحيفة "لا جازيتا ديلو سبورت" الإيطالية ذات مرة بعراب الكرة الإيطالية الحديثة، وفيما بعد أصبح اللقب "جد الكرة الإيطالية الحديثة"، إنه الرجل الذي فاز بألقاب عدة وبطرق مختلفة، سواء على صعيد المنتخبات أو الأندية.

أن تجمع في سيرتك الذاتية ما بين ألقاب كأس العالم، ثم دوري أبطال أوروبا ودوري أبطال آسيا، وخمسة ألقاب دوري إيطاليا، إنها مسيرة حافلة، لرجل هيمن مع يوفنتوس على الكرة الأوروبية على صعيد الأندية، ثم قاد إيطاليا لمجد لا ينسى.

مارشيللو ليبي دائما كان ذلك المدرب الذي يدخن السيجار ويعلم جيدا كيف يتولى زمام الأمور، وإن ساءت فهو لديه ما يكفي من الشجاعة لمواجهة الأزمات.

سير أليكس فيرجسون تحدث عنه قائلا:"ليبي رجل رائع، انظروا إلى عينيه ستخبركم القصة كاملة، أنت تتعامل مع شخص لا يتهاون حتى مع نفسه ويتعامل باحترافية شديدة".

وأضاف "تلك الأعين تراها تنظر بجدية تامة أحيانا وفي بعض الأحيان تضحك، إنه يعلم كيف يدير الأمور، ودائما كان ذكيا، لا أحد يجب أن يرتكب خطأ ويستهين بقدرات ليبي".

قليلون هم المدربون الذي وصفوا في حقبة التسعينات بمن يحبون فرض هيمنتهم وسيطرتهم على كل الأمور في فريقهم، ذلك الأمر انطبق على ليبي وأوتمار هيتسفيلد وفيرجسون، والأخير لطالما تغنى بقدرات المدرب الإيطالي وقدرته على قياس نجاحه الشخصي خاصة في فريق يوفنتوس المثالي الذي كونه خلال فترة التسعينات.

خلال التسعينات واجه يونايتد نظيره يوفنتوس 6 مباريات، والتفوق كان حليفا لليبي بصورة شبه دائمة، تحدث فيرجسون عن ذلك قائلا :"أتذكر حينما كنا في تورينو والسيد ليبي يجلس على مقاعد البدلاء يرتدي معطفه ويدخن السيجار، كان هادئا للغاية، على الجانب الأخر كنت أنا أحاول العمل في بدلتي على الخط تحت الأمطار".

قد يمنحنا ما قاله فيرجسون ملامح شخصية ليبي التي كانت صارمة للغاية مع فريقه، وهادئة في إدارة المباريات، بنى فريقا تمكن من الهيمنة محليا وتوج قاريا باللقب.

بدأ ليبي مسيرته التدريبية مع أندية أقل شأنا مثل بيستويسي وسيينا وتشيزينا وأتالانتا وغيرها، لكن لا يمكن أبدا الحكم عليهم بأنهم شكلوا فلسفته التدريبية، لأنها كانت فترات قصيرة للغاية وعلى مستوى متواضع قد تكون ساهمت في تكوين خبرته، لكنها لم تكن العامل الحاسم في تشكيل فلسفته.

حتى تولى مهمته التدريبية في نابولي خلال موسم 1993-1994، لم يكن أحد يعرف أنه مدرب رائع، خلال تلك الفترة ظهرت قوته الحقيقية، خاصة وأن الفريق الأزرق كان يحيى في ظلال فترة دييجو مارادونا.

وصفت صحيفة "كوريري ديلو سبورت" في تقرير لها أن ليبي عمد في تلك الفترة على عزل لاعبيه مما يحدث خارج الملعب لكي ينجحوا داخله وظهرت قدرته بطريقة رائعة في إدارة فريقه بكل الجوانب، وعلم لاعبيه التركيز وتقدير الفريق أكثر من أي شيء أخر، والأهم التأكيد على الجماعية وعمل اللاعبين سويا، وطلب منهم التقليل من استخدام المهارات الفردية.

التزام وشخصية ليبي قادوا نابولي للمركز السادس في جدول ترتيب الدوري الإيطالي وتأهل الفريق لمسابقة الدوري الأوروبي، بعد ذلك عرض عليه تدريب يوفنتوس.

فيتوريو دي كيوزانو رئيس يوفنتوس السابق قال بعد تعيين ليبي إنه شاهد فيه أملا لم يره من قبل مع مدرب، خاصة مع نابولي، لأنه أثر فيه شخصيا حينما لاحظ طريقته في إدارة الأمور، وبالتالي كان من المنطقي أن يتولى قيادة البيانكونيري.

قرر دي كيوزانو أن يستبدل جيوفاني تراباتوني بليبي، وصل مارشيلو إلى يوفنتوس وهو يعلم في قرارة نفسه أن بحاجة لإثبات قوته وقوة الفريق، لم يكن خائفا قط، خاصة وأنه في أيامه الأولى طلب من إدارة الفريق العديد من الطلبات، مثل ضم لاعبين منهم شيرو فيرارا والذي أقنعه بحنكته بأن يترك نابولي لينضم إليه في يوفنتوس.

ثم أضاف ليبي مزيدا من التعزيزات الدفاعية بضم باولو سوسا لاعب الوسط المتألق، تلك التغييرات لم تكن كبيرة للغاية لكنها كانت متركزة في نقاط محددة، بنى حولها شخصية بطل في الفريق، بدأها من الدفاع لكي يترك مساحة للمهاجمين ليعبروا عن أنفسهم حسب وصفه هو شخصيا في وثائق أذيع عبر قناة "بي إن سبورتس".

فور وصوله بدأت النتائج في الظهور سريعا، ولوحظ أنه يلعب بطريقة مختلفة للغاية، وأنتج عدة مواهب متميزة في الفريق، في موسمه الأول قاد يوفنتوس للفوز بلقب الدوري الإيطالي وكأس إيطاليا، همين محليا سريعا ولم يتطلب ذلك وقتا مع فريق مثل البيانكونيري.

أعاد ليبي يوفنتوس سريعا لطريق الأبطال بعد سنوات عجاف مع تراباتوني الذي توج بأخر لقب له مع الفريق في 1986، ثم كانت هناك ضربة قوية تلقاها ليبي أيضا، الخسارة بارما في نهائي بطولة الدوري الأوروبي.

ليبي لم يأت ليوفنتوس من أجل موسم وحيد، الصحافة الإيطالية في ذلك الوقت أكدت أنه أتى ليبني جيلا يهيمن على كل شيء، وقد كان.

طلب المدرب المتميز من لاعبيه الكبار في الفريق مثل جيانلوكا فياللي والذي طلب منه أن يحافظ على وحدة اللاعبين وأن يحترموا قرارات المدرب، ولطالما حرص المدرب الإيطالي على أن يحترمه اللاعبون يخشونه لكن بشكل إيجابي وليست بطريقة سلبية.

تشكيلته أصبحت كبيرة في السن، وفي الموسم الثاني أظهر ليبي قيمته الحقيقية، بضم صفقات ربما بدت غريبة للبعض، لكنه كان متأكدا من أنهم أعظم من ضم على الإطلاق، ومن ضمنهم كان الساحر الفرنسي زين الدين زيدان.

مع تكتيك ليبي، يوفنتوس أصبح بمثابة كابوس لأي خصم، الدفاع كان قويا للغاية، والهجوم لديه أريحية كبيرة في التحرك، وظهر أليساندرو ديل بييرو بجانب زيدان، تألقهما كان أمرا حتميا في تلك الحقبة، ليبي في تلك الفترة حسب وصف صحيفة "توتو سبورت" الإيطالية كان يتبع أسلوبا للضغط على الخصم وقطع تمريراتهم سريعا لإرباكهم.

تلك الخطة ساعدت يوفنتوس على أن يكون أسرع في الملعب، ويتقدم لمساحات أكبر في خط وسط خصمه، وإن فعلوا ذلك، فخط الدفاع مؤمن بالثنائي فيرارا وباولو مونتيرو ومن خلفهم أنجيلو بيروتزي.

قال مارشيللو ليبي عن فترته مع يوفنتوس :"خلال سنواتي تلك مع يوفي، لم أعلم قط إن كنا دائما الطرف الأقوى على الورق، لكن بكل تأكيد فعلنا كل شيء لنثبت قيمتنا، قدمنا كل ما لدينا، وحينما لم نكن أقوياء، كنا الأفضل".

دافع في موسمه الثاني ليبي عن لقب الدوري الإيطالي بنجاح بعد التغلب على الجيل الذهبي لبارما، لكن نجاحه الحقيق كان في دوري أبطال أوروبا، حينما فاز النادي باللقب للمرة الأولى منذ 11 عاما، على الرغم من خسارته لاسمين قويين في الخط الأمامي فياللي رحل إلى تشيلسي، وفابريزيو رافانيللي إلى ميدلسبره.

لم تكن المعطيات ترجح كفة يوفنتوس بأي حال من الأحوال، ليبي كان قد اتخذ قرارات جعلت الصحافة الإيطالية تهاجمه وتتساءل عن مدى العقلانية التي يتمتع بها، هو كان يحاول بناء فريق شاب، متمثلا في زيدان والشاب الجديد كريستيان فييري، ورحل روبيرتو باجيو، على الجانب الأخر أياكس لويس فان جال كان قويا ومخيفا أيضا، إلا أن ليبي حقق اللقب بنجاح، والسر كما قال فيرجسون هدوئه الذي كان يمنحه للاعبيه من خارج الملعب.

بعد أعوام معظمها كان سعيدا مع يوفنتوس اتجه لتدريب إنتر ميلان، لكنها كانت فترة سيئة له، أنهى الموسم في المركز الرابع، وفي الموسم الجديد تمت إقالته مع موجة كبيرة من الإحباط والتكهنات بانتهاء أسطورة ليبي.

مجددا خلافة أخرى لتراباتوني، هذه المرة في 2004 بعد إحباط إيطاليا في بطولة اليورو، ليتولى مارشيللو ليبي المهمة.

فترته لم تكن وردية، إبان توليه المهمة كانت الفضيحة الكبرى التي هزت أرجاء عالم كرة القدم مع هبوط يوفنتوس للدرجة الثانية على خلفية الفساد الكروي في إيطاليا.

ألقت الأزمة بظلالها الكئيبة على منتخب إيطاليا، خاصة في ظل استعداده لبطولة كأس العالم 2006، ماذا كنت ستفعل لو كنت ليبي في تلك الفترة؟

ما حدث ليوفنتوس أثر فيه شخصيا، وأثر بالتالي على المنتخب، كان هناك 5 لاعبين من الفريق في المنتخب، منهم القائد فابيو كانافارو، وديل بييرو، جميعهم شعروا بإحباط كبير وحتى صرحوا بذلك.

بعد تخطي أوكرانيا بنتيجة 3-0 في دور الثمانية، ثم هدف فابيو جروسو القاتل وما حدث بعد ذلك معروف إيطاليا بطلا لكأس العالم 2006 على حساب فرنسا، وأصبح اسم كانافارو "جدار برلين".

قال كانافارو لمجلة "فور فور تو":"مجموعة إيطاليا في 2006 تطلبت عامين من البناء، وكان ذلك وقتا كافيا لنا لنفهم بعضنا البعض، ولطالما كنا وحدة واحدة، ودائما ندعم بعضنا البعض، قد لا تصدقها، لكن خلال 40 يوما أثناء بطولة كأس العالم حظينا بكثير من المرح".

في كل مرة تدرك عبقرية ليبي، حينما قام بالدفع بماركو ماتيراتزي كبديل لأليساندرو نيستا المصاب ولعب كما لو كان أساسيا طيلة الوقت، واستخدم الثلاثي ألبيرتو جيلاردينو وفينشنزو ياكوينتا ولوكا توني.

صرح ليبي بعد الفوز بكأس العالم "في هذا اليوم لا أعتقد أنني متماسك، لكنني أعرف أنني استدعيت من بإمكانهم أن يشكلوا فريقا ووحدة، وبإمكانهم اللعب سويا بأفضل ما لديهم، ستفوز إن كنت فريقا متكاملا، الأمر لا يحتاج بالضرورة لأن يكون لديك أفضل اللاعبين في دولتك، من الممكن ذلك، لكنهم معا جميعا الأفضل، عليك أن تجمعهم معا في فريق لتثبت أنهم الأفضل".

ليبي دائما كان مقتنعا بوحدة فريقه وتطوير اللاعب يأتي من العمل الجماعي، النجم لا يحصل على الأضواء والعناوين، بل من يفهم جيدا رسالته كمدرب ويطبقها بطريقة فعالة، وليبي قال إنه وجد ذلك في أنطونيو كونتي وبعد ذلك في كانافارو.

حتى في الأعوام الأخيرة مع جوانزو إيفرجراند أثبت ذلك بعد تتويجه بالألقاب خاصة لقب دوري أبطال آسيا، إنه ذهب لا يصدأ، اللاعبون يحترمون والمدربون كذلك، الجميع سيسمع له إن تحدث فقط.

ما حققه ليبي كان إنجازا كبيرا، حتى وإن بدا للبعض أن عدد بطولاته قليل، لكنه نجح في إنقاذ الكرة الإيطالية من منحدر كبير كادت أن تسقط من خلاله إلى الهاوية، وقادها لنجاح هو الأول منذ 24 عاما وقد يكون الأفضل في مسيرة أي مدرب على الإطلاق.

التعليقات