كتب : وسيم أحمد | الخميس، 09 مارس 2017 - 12:05

برشلونة قاهر المستحيل

لحظة هدف سيرجي روبرتو أمام باريس سان جيرمان

لم يكن أشد المتفائلين يحلم بأن تنتهي مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان بدور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا بنتيجة 6-1، وفي سيناريو مجنون كهذا الذي خرجت به المباراة بالفعل.

فقد اعتقد الجميع تقريبا وأنا منهم أن برشلونة ودع البطولة من باريس بعد مباراة الذهاب التي انتهت بالهزيمة بنتيجة 4-0، وحتى من كان يؤمن بالعودة سرعان ما فقد الأمل وضاعت أحلامه سدى أمام عينيه بعد هدف كافاني الذي حول المباراة لنتيجة 3-1 في الدقيقة 60 لتتعقد الأمور أكثر وأكثر وتنقلب رأسا على عقب.

إلا أن فريق إنريكي بقيادة نيمار كان له رأي آخر، حيث حقق عودة أسطورية ستظل في الأذهان لسنوات وسنوات لتكون بصدق أغلى وأصعب عودة في التاريخ، فتاريخيا لم يتمكن أي نادي في العالم أن يعود في النتيجة بعد التأخر في الذهاب بنتيجة 4-0 ويصعد في العودة، إلى أن فعلها برشلونة.

برشلونة حتى الدقيقة 87 كان متقدما 3-1، قبل أن تتحول النتيجة إلى 6-1 في الدقيقة 95، وبالتأكيد لم يأتي هذا الإعجاز الكروي صدفة، وإنما كان نتاج عوامل عديدة من بينها الروح القتالية للاعبين وإيمانهم بقدراتهم وقدرتهم على العودة، والدعم الجماهيري الذي لم يتوقف لحظة طوال المباراة، بالإضافة لعوامل أخرى أخص منها اليوم 4 عناصر أساسية لعبت دور الحسم.

أوناي إيمري

إيمري قدم في الذهاب على ملعبه واحدة من أفضل مبارياته على الإطلاق، ولكنه أضاع كل شىء في العودة، ولعلي أتذكر جيدا نقاشي مع بعض الزملاء قبل مباراة كامب نو بيوم واحد، وكيف كنت أؤكد على أن إيمري إذا أراد خنق برشلونة وقلب الطاولة عليه أن يفاجيء الفريق الكتالوني بالضغط والهجوم منذ البداية فيحرم بذلك برسا من التقدم في ملعبه ويربك حساباته بل وقد يقضي على المباراة نهائيا إذا ما سجل مبكرا.

إلا أن إيمري اختار الحل الأسهل وهو الدفاع بكل اللاعبين باستثناء كافاني على دائرة المنتصف تقريبا، وهو ما كلفه الخروج المهين بنتيجة 6-1.

نيمار ثم نيمار ثم نيمار

نيمار كان كلمة السر والورقة الرابحة في مباراة البارحة، فهو اللاعب الأكثر إرهاقا لدفاع الباريسيين، وهو صانع هدف الحسم القاتل، وصاحب هدفين في المباراة منهما كرة ساحرة من ركلة حرة لا تُصد ولا تُرد، وهو من تسبب في ركلة جزاء ليو ميسي بمنتهى الذكاء.

نيمار كان بالفعل رجل المباراة، واستحق الجائزة عن جدارة، وإذا استمر على نفس الأداء حتى نهاية الموسم، وإذا ما قاد البرسا للتتويج بدوري الأبطال، فسيكون الأحق بالبالون دور الأول في تاريخه من وجهة نظري.

إنريكي

لأول مرة يقنع إنريكي منذ بداية الموسم بقدرته على قراءة المباراة وتغيير مسارها أثناء اللعب، فبالرغم من المخاطرة الكبيرة بالبدء دون ظهيري جنب وعدم استغلال إيمري لتلك النقطة، إلا أنه لعب بضغط عالي من منتصف الملعب بشكل عبقري لم نتعود عليه مع إنريكي، ووضع ميسي في المنتصف ليشغل المدافعين حوله ويعطي بعض الحرية لسواريز ونيمار ورافينيا.

كما فاجأ اللوتشو الجميع في آخر ربع ساعة بالدفع بسيرجي روبرتو في طرف الملعب الأيسر ليلعب بجانب نيمار لأول مرة هذا الموسم، وهو المركز الذي أجاد فيه روبرتو وتمكن من خلاله من تسجيل هدف التأهل.

إنريكي الذي أعلن تركه للفريق بنهاية الموسم كان توقيت دفعه بأردا وجوميز مثاليا أيضا، بعد أن أُنهك الثنائي إنييستا وراكيتيتش نتيجة الضغط العالي طوال المباراة والمجهود الكبير الذي بذله كلأ منهما.

تير شتيجن

شتيجن هو حارس ولاعب في نفس الوقت، فهو يعطيك الأفضلية العددية على الخصم، ويجعلك تشعر وكأن البرسا يلعب بـ 12 لاعبا وليس 11، فمنذ انضمامه للبارسا وهو يساهم بلعب دور الليبرو في كثير من الأحيان ويشارك في بدأ الهجمات، كما يلجأ له زملاءه في خط الدفاع كلما تأزم الموقف.

شتيجن في مباراة الأمس لم يكتفي بدور الليبرو فقط، بل اختار مركزا جديدا غير معتاد، فدخل إلى وسط الملعب ولعب دور لاعب الوسط المدافع في الثواني الأخيرة من المباراة ليقطع انفراد من وسط الملعب من دي ماريا، بل ويحصل على مخالفة جاء منها الهدف السادس لبرسا.

لم يتوقف دور شتيجن عند ذلك فقط، وإنما أكد على موهبته الكبيرة كواحد من أفضل حراس المرمى بالعالم، حين منع هدف محقق لكافاني من انفراد تام بالمرمى في الدقيقة 64 حين كانت النتيجة 3-1 ليمنح فريقه قبلة الحياة لفريقه لأن 3-2 كانت لتنهي المباراة فعليا.

بكل تأكيد ستبقى تلك المباراة خالدة في سجلات التاريخ كحالة متفردة بذاتها، فهي من المباريات التي قد لا تتكرر سوى مرة في العمر، ولكنها مباراة تعطي دروسا في الحياة لمن أراد أن يتعلم، فهي ليست فقط مباراة في فنون كرة القدم، وإنما مباراة في فنون الصبر، المثابرة، القتال على الحلم حتى آخر نفس، الإيمان بالذات، والأهم أنها أكدت على أنه لا يوجد مستحيل.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات