وداعا ستيفي

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016 - 14:45

كتب : محمود عصام

ستيفن جيرارد

(1)

يسير ممسكا يد العجوز بخطوات أثقلها الثلج الذي يأبى أن يذوب منذ ما يقارب ربع القرن وكأننا علي وشك عصر جليدي جديد، لا يعكر بياض الثلج الذي انتشر في مدينة ليفربول بأكملها سوى معطفين حمر يرتديهما الرجلان ووردة حمراء يمسك بها الرجل بإحدى يديه والأخرى ما زالت تتشبث بيد العجوز.

– عندما بدأت مسيرتي هنا كان الثلج أكثر قسوة، لم يؤمن أحد أن الربيع سيحل ثانية.

– ولكنني مازلت أذكر طفولتي، كانت المدينة تمتليء بالورود الحمراء، الورود التي بدأت بزراعتها انت يا

سيد شانكلي.

– أعرف ذلك ولكنني أتحدث عن الإيمان يا رجل، الإيمان بالأحمر والأحمر فقط.

يمر الرجلان بجوار تمثال لرجل فاردا ذراعيه لم يستطع الثلج ان يخفي ملامح وجهه فهي نفس ملامح الرجل العجوز، ينحني جيرارد لكي يمسح قاعدة التمثال من آثار الثلج فتظهر الكتابة المنقوشة بوضوح "بيل شانكلي… لقد استطاع أن يجعل الناس سعداء"

(2)

يقطع الحلم -الذي يتكرر كثيرا في الآونة الأخيرة- رنين الهاتف معلنا الساعة الثامنة صباحا بتوقيت لوس أنجلوس. مباراة ليفربول الافتتاحية للموسم الجديد بدأت بالفعل وأمام أرسنال. لم يشعر جيرارد بنفسه سوي مع نهاية المباراة حيث تنتهي سعادته بفوز ليفربول ويبدأ ألم لكونه توقف عن صنع هذا السعادة، هذا الألم الذي عرفه جيرارد صغيرا عندما اخترقت شوكة قدمه، كان يلتف حوله الجميع يملأهم الرعب بعد ان أكد لهم الأطباء أن الحل الوحيد هو بتر إصبع ستيفي، إلا ان ستيفن تجمدت كل أفكاره إلا واحدة "هل سأتوقف عن اللعب لليفربول للأبد؟" ربما هذا ما شعر به جون بول في ملعب هيلزبرو.

لم يغب عن ناظري أبدا وجه جون بول، كان يكبرني بعام وكنا قد تعاهدنا صغارا على اللعب في صفوف ليفربول، يجري في عروقنا دم أبناء العمومة وشغف ليفربول، إلا أني لم أكن أعلم أن هذا العهد سينقض في ملعب هيلزبرو. توفي جون رفقة 96 مشجعا لليفربول جراء التزاحم في ذلك اليوم، إلا أني حافظت على عهدي مع جون في كل مرة ألبس قميص ليفربول اري وجه جون بول يبتسم لي، لكن منذ أن أتيت إلى لوس أنجلوس وأنا لا أرى جون إلا في أحلامي.

(3)

يجلس طفل في العاشرة على قاعدة رخامية اللون تتقدم نصب تذكاري يحمل أسماء ستة وتسعين مشجعا لليفربول لم يعودوا من ملعب هيلزبرو، ينظر جيرارد بنظرة معتادة إلى أسفل النصب الذي لم يأبه كثيرا بالثلج ليقرأ أسم الطفل الناظر إليه "جون بول". يجلس ستيفن بجوار الطفل علي قاعدة التمثال محدثا إياه:

-لم أستطع فعلها وحدي يا جون.

-بل فعلت الكثير.

-سبعة عشر عاما بلا بطولة دوري واحدة، أقترب كثيرا بلا فائدة، تخور قواي دوما قبل نهاية المضمار.

-سبعة عشر عاما ترتدي قميص ليفربول. هذا يكفي فخرا.

يترك جيرارد الطفل الذي لا يبارح قاعدة النصب أبدا لكي يكمل طريقه متشبثا بيد العجوز.

sos_-_steven_gerrard_presentaion_-_22-05-15-6

(4)

"هل تريد رأيي؟ إنه أحد أفضل لاعبي خط الوسط في التاريخ، هو ببساطة لاعب من الطراز الممتاز" بيليه

تسعون دقيقه من العرق. إذا قررت أن تمرر الكرة إلى أقصى الملعب فإما أن تفعل ذلك من خلال أربعة أو خمسة لاعبين وإما أن تكون ستيفن جيرارد: يركض بطول الملعب من أجل أن يمنع هدف ثم يركض الملعب بطوله رجوعا لكي يحرز آخر. لم يعرف الأنفيلد قائدأ مثل جيرارد، كان الأمل في وقت انحدار ليفربول. وردة حمراء نمت في قلب ثلوج أنفيلد روود لكي تبلغ الجميع انه كان هناك ليفربول ومازال وسيبقى.

"لم يخيب توقع أحد به أبدا، لقد فعل كل ما يمكن أن يفعله. رجل متواضع. فقط يبقي رأسه للأسفل ويفعل الصواب دائما" جيمي ريدناب

بدأ جيرارد اللعب لصفوف الفريق الأول لليفربول في عامه الثامن عشر واحتاج جيرارد إلى عامين لكي يصبح لاعبا أساسيا ويحرز لقب كأس الاتحاد الإنجليزي ثم يحرم الافيش الأسباني من كأس الاتحاد الأوروبي ليكتب جيرارد أول ألقابه الأوروبية. عامان آخران انقضوا ليصبح جيرارد كابتن ليفربول ويعرض عليه تشيلسي عشرين مليون إسترليني وهو العرض الذي رفضه ستيفن بالطبع ليبدأ مرحلة جديدة مع ليفربول مع المدرب الجديد آنذاك رافا بينيتيث، لكي يأتي أفضل يوم في مسيرة جيرارد علي الاطلاق، 25 مايو 2005.

(5)

غرفة تغيير الملابس بملعب أتاتورك بإسطنبول. لا أستطيع أن أسمع شيء من حولي. فقط أنظر في وجه كل من بالغرفة لكي أرى الهزيمة في كل مكان. العار الذي سيلاحقنا بدأ بالفعل، ثلاثة أهداف في شوط واحد. هل سيكون ليفربول أضحوكة أوروبا هذا العام؟ الفريق الذي وصل النهائي لكي ينهزم بخماسية، هل هذا ما يستحقه جماهير ليفربول؟

لقد بدأنا المباراة مهزومين بالفعل، كان يتردد في التدريبات الحديث عن المباراة بنبرة خائفة دوما. هل نستطيع مجاراة فريق مكون من ديدا، ستام، مالديني، نيستا، كافو، جاتوزو، بيرلو، سيدورف، كاكا، شيفشينكو، وكريسبو؟ أحد عشر لاعبا من الفئة الأولى ينتظرهم على الدكة روي كوستا وتوماسون هزموا مانشستر ذهاباَ وإيابا وأنهوا مباراتي الديربي مع إنتر بمجموع خمسة أهداف. لم يكن اللاعبون واثقين بأنفسهم أو ببعضهم البعض. هل نفعلها بهجوم مكون من ريزا وكيويل وباروش؟

لم يتحدث معي أحد من اللاعبين مطلقا حتى هيبيا، إلا ان أمور كتلك لا تخفى على لاعب كرة قدم قط. أخبرني بينيتيث أني سألعب الشوط الثاني في مركز خط الوسط المهاجم، لم أجبه حتى بإيماءة رأس فقط ووقفت في منتصف الغرفة ثم نظرت إلى كل لاعب على حدة، نظرت في أعينهم تماما، نستطيع أن نفعلها. سنفعلها لأننا نرتدي قميص ليفربول، تلك القمصان التي تهب مرتديها الالاف من ورائه لا يتركونه وحيدا أبدا. سنعود لأننا ليفربول وسنعود من أجل ليفربول.

بدأ الشوط الثاني وأحرزت هدفا بالرأس من تمريرة ألونسو ثم أخذت أركض بطول الملعب ألوح بيدي إلى الجماهير، لا تتركونا، ليفربول لا يسير وحده أبدا، سنفعلها سويا.

فعلناها. أحرزنا هدفين اخرين وفزنا بالبطولة بضربات الترجيح. جماهير ليفربول تستحق ذلك النهائي بالفعل.

"لاعب متكامل بالفعل. لديه الشخصية والتقنية، يستطيع أن يبدأ اللعب وأن يوقفه أيضا. ممرر رائع ويحرز أهدافه من تصويبات وركلات حرة وضربات جزاء. ببساطة، هو مثال للاعب كرة القدم الحديثة" باولو مالديني

"أحد أصعب اللاعبين الذين لعبت أمامهم. مثال للجميع داخل وخارج الملعب"

(6)

-هل ستظل ممسكا بتلك الوردة للأبد؟ تحدث شانكلي

-لا أملك أغلى منها.

-نعم، ذلك هو بيت القصيد. لقد أتى الثلج على كل الورود التي زرعتها أنا ومن مِن قبلي في أنفيلد، إلا أن تلك الوردة ستذكر الجميع أن هنا تحديدا واحدا من أكبر أندية العالم. يكفيك أنك استطعت أن تمد يدك إلى القاع وتزرع تلك الوردة الحمراء في قلب الثلج. سيبقى الإيمان بعودة الأحمر دائما بفضل تلك الوردة، فقط دعها فوق تلك التربة واكتب فوقها أبطال أوروبا 2005.

"هل هو أفضل لاعب بالعالم؟ في رأيي نعم. هو لا يخطف الأنظار مثل ميسي أو رونالدو، لكن لديه قدرة عظيمة على التمرير، يستطيع أن يتحصل على الكرة بسهولة كما أنه يحرز أهدافا أيضا، إلا ان ميزانه الأكبر في رأيي هي شخصيته. جيرارد يستطيع أن يمد كل من حوله بقدر كبير من الثقة. تلك أشياء يولد بها المرء" زين الدين زيدان.

steven-gerrard-footballer

(7)

لعشرة أعوام تالية لعب قلب ليفربول النابض محاولا أن يعيد ليفربول للصدارة. تحمل عبء ليفربول وحيدا. اقترب كثيرا من النجاح دون أن يحققه. يكفي مشهد سقوطه في مباراة تشيلسي أمام ديمبا با مهاجم تشيلسي لكي يحرز الأزرق لقب الدوري الإنجليزي الذي اقترب منه ليفربول كثيرا ذلك الموسم، إلا أن القدر كان يتمعن في توضيح حقيقة بسيطة "رغم كل تلك الإخفاقات سيبقى جيرارد فخر ليفربول، سيبقى هو الرجل الذي حافظ لليفربول على اسمه في عصره الجليدي. لن تحقق شيئا بل سيأتي الإخفاق بقدمك أو بعجزها، فهل ستتغير أو سيتغير ليفربول؟ لا، ستبقى دوما رجل ليفربول الأول الذي يسير ويسير وراءه الملايين حتى لا يتركوا ليفربول وحيدا كما عاهدوه منذ البداية" ليبقى جيرارد هو التمثيل الحي لنشيد ليفربول.

عندما تسير عبر العاصفة أبقي رأسك مرفوعا

ولا تخشى الظلام

عند نهاية العاصفة توجد سماء ذهبية

وغناء طائر اللارك الفضي الجميل

سر عبر الرياح

سر عبر المطر

حتى ولو قُذفت أحلامك وطارت

سر، سر والأمل في قلبك

ولن تسير وحدك أبدا

لن تسير وحدك أبدا

8498791270_37daa9b825_b

"بالنسبة لي، جيرارد ببساطة هو ليفربول" تيري هنري

(8)

-هل ترى ذلك الألماني ذو الشعر الأصفر والعوينات السوداء؟ يقولون إنه قادرا على زرع الورود في الثلج. ربما أتى إلى المكان المناسب.

-هل يستطيع أن يفعلها؟

-لا أحد يعرف ولكن، دعنا نرى سيد شانكلي.. دعنا نرى.

التعليقات