كتب : أحمد سعيد | الثلاثاء، 08 يونيو 2010 - 00:25

رجل لا تريد القراءة عنه

هو أحد الرجال الذين قد لا تكون مهتما بالقراءة عنهم، ولكنه أيضا أحد هؤلاء الذين يتعين علينا الكتابة عنهم أكثر كثيرا من أبطال صنعناها من ورق.

وهناك أسباب كثيرة تجعلك لا ترغب في القراءة عن طارق العشري وهي نفسها الأسباب التي تدفعك إلى النبش والتفتيش في الصحف ومواقع الإنترنت وقنوات التليفزيون عن غيره رغم أنهم أقل قيمة وأقصر قامة منه.

أولا هو لم يكن في يوم من الأيام منتميا للأهلي أو الزمالك لاعبا أو مدربا، وهو سبب كفيل للعزوف عنه وعن أخباره حتى وإن كان من أعظم لاعبي الاتحاد السكندري في تاريخه، ولاعب دولي تحت قيادة محمود الجوهري، الذي كان يثق كثيرا في قدراته رغم أن مشاركاته كانت محدودة بسبب كثرة النجوم في مركزه.

ثانيا ليس له حبايب ومعارف وأصحاب في وسائل الإعلام المختلفة، لذا فهو ليس ضيفا دائما على استوديوهات تحليلية تليفزيونية وإذاعية، ولا تتاح له الفرصة للحديث كمدرب فاهم وواع إلى الجمهور الذي يضطر يوميا إلى الاستماع إلى رجال لا يمتلكون نصف علمه أو نضجه.

ثالثا يعمل في ناد يحمي لاعبيه ومدربيه من الدخول في مهاترات يصطنعها آخرون لوضع أسمائهم على خريطة التدريب والإعلام، أو للحصول على ميزة لا يستحقونها، أو للهروب من مسؤولية فشل أو هزيمة.

أرجوك اعترف أنك غير مهتم حتى باستكمال هذا المقال حتى نهايته لأنه ليس عن الأهلي أو الزمالك ونجومهما، وبطولاتهما، ومشاكلهما أيضا .. ولكنني سأستكمله و"أجري على الله".

أكتب عن العشري لأنه مدرب ناجح، مثقف، مغامر، قادر على تحمل المسؤولية.

مدير فني يفوز بثلاث بطولات محلية في عامين من دون أن يكون مدربا لأحد القطبين هو بالتأكيد رجل أكثر نجاحا من جميع تجار الدوري الممتاز.

وتجار الدوري هؤلاء يتنقلون من هذا النادي إلى ذاك كل موسم أو نصف موسم أو أقل .. يبدلون الأندية بمنافسيها من أجل ألف جنيه إضافية في راتبه الشهري .. ويرتدون بدلهم الأنيقة في الأوقات التي لا يجدون فيها عملا للتقطيع في زملائهم على شاشات التليفزيون بكليشيهات محفوظة ومملة مثل "اللعب الجماعي، ودوافع الفوز، واحترام الخصم".

هو مدرب مثقف، يحاول الحصول على العلم ولو عند المنافسين، لجأ لمانويل جوزيه مدرب الأهلي للتعلم من ذلك البرتغالي الذي بهر مصر كلها، ورحب الأخير به وفتح له أبوابه. لم يتكبر أو يخشى انتقادات سخيفة وجاهلة وساخرة من محاولة الاستفادة من مدرب فريق منافس، ففاز بما لم يفز به أكثر المقربين من جوزيه نفسه.

هو مدرب مغامر، بدأ حياته مديرا فنيا خليفة لمدرب مخضرم هو حلمي طولان، وقرر المضي قدما في اللعب بطريقة 4-4-2 التي كانت لاتزال في ذلك الوقت وكأنها فيروس قاتل، يطيح برأس أي مدرب يقترب منه.

وأذكر أنه وعلاء نبيل حينما كان الثاني مدربا للمقاولون العرب متمسكان بتنفيذ هذه الطريقة حتى ولو كلفتهما منصبيهما سعيا وراء التطوير والتجديد واللحاق بركب خلق الله ممن يلعبون كرة قدم أحدث كثيرا مما نمارسه في ملاعبنا.

فشل نبيل مع المقاولون ودفع منصبه ثمنا، ولكن تجربة العشري نجحت وكأنها تخرج لسانها لكل الخبراء المزعومين من أصحاب نظرية "اللاعب المصري لا يستطيع اللعب بدون ليبرو" وتوجها بالفوز بكأس مصر العالم الماضي، ليقود أكثر من نصف مدربي الدوري الممتاز لتطبيق الطريقة نفسها هذا الموسم.

هو مدرب مسؤول، لم يحاول الهروب من موقعه حينما كان الحدود مهددا بالهبوط مع نهاية الدور الأول، بل كان حديثه عن إمكانية الرحيل هو محاولة لرفع الحرج عن إدارة ناديه إذا ارتأت أن التغيير أفضل.

ظل متحملا مسؤولية الفريق رغم إيقاف أهم لاعبيه داخليا وعرضهم للبيع، بحث ضمن الشباب في قطاعات الناشئين في ناديه، ضم لاعبين مغمورين بمبالغ مالية زهيدة كونه يعمل في مؤسسة ليس لديها الاستعداد لصرف الملايين لضم لاعبين يدعون أنهم "سوبر"، وهم بالطبع سوبر اسما وليس فعلا.

طارق العشري هو كل ما سبق، هو بارقة أمل في جيل جديد من المدربين يحمل صفات نقية لم تلوثها بعد ثقافة السبوبة التي سيطرت على كثيرين في المشهد الكروي المصري .. لذا أنا أريد الكتابة عنه وعن آخرين مثله، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تمتلكون فيه الرغبة لقراءة المزيد عنه.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات