كتب : نصري عصمت | الخميس، 10 يونيو 2010 - 12:25

هل يكون مونديال 2010 الأسوأ في تاريخ القارة السمراء؟

عندما حقق منتخب الكاميرون بقيادة نجمه روجيه ميلا إنجاز صعوده إلى دور الثمانية من كأس العالم عام 1990 توقع عشرات من خبراء كرة القدم في العالم أن يفوز منتخب إفريقي بكأس العالم خلال العشرين عاما التالية.

ومع انطلاق ركلة بداية مونديال 2010 تمر على هذه التنبؤات 20 عاما من دون تحقق الحلم خلال 16 عاما فيما تبدو التنبؤات بعيدا تماما عن واقع مؤلم قبل انطلاق المسابقة للمرة الأولى على أرض القارة السمراء.

أخشى أن يتهمني البعض بالتشاؤم لكن للأسف تواجه القارة الإفريقية خطر خروج منتخباتها الستة المشاركة في مونديال 2010 من الدور الأول ربما للمرة الأولى منذ عام 1982.

والسبب وراء ذلك الخطر هما عاملان رئيسيان، الأول هو القرعة الصعبة لمونديال 2010، والثاني هو عوامل مختلفة لها علاقة بطبيعة القارة الإفريقية نفسها، وهو ما يمكن أن نتناوله هنا بالتحليل.

أولا: جاءت قرعة مونديال 2010 قاسية جدا على المنتخبات الإفريقية الستة، وذلك ليس بوقوع الفرق السمراء في مجموعات قوية لكن لأن القرعة أوقعت كل فريق إفريقي في مجموعة أعلى من قدراته.

وبإلقاء نظرة على مجموعات المنتخبات الإفريقية يسهل ملاحظة أن أفضل المنتخبات وهي على الترتيب غانا وكوت ديفوار وجنوب إفريقيا (لمجرد أنها صاحب الأرض والجمهور).

فكوت ديفوار أفضل منتخب إفريقي على مستوى العناصر الفردية يلعب في مجموعة واحدة مع البرازيل والبرتغال، أما غانا فهي في مجموعة حديدية تضم ألمانيا وصربيا العائدة بقوة للمنافسات الدولية وأستراليا، وهي تفتقد لمايكل إيسين درة النجوم السوداء وعنصر الثقة بجانب أبياه ومونتاري، أما أصحاب الأرض الذين كان من المفترض أن تتعاطف معهم القرعة كما يحدث في كل بطولة وبمقارنة مستواهم أمام منتخبات من عينة العراق ونيوزلندا في كأس القارات العام الماضي لا أراهم قادرين على مقارعة فرنسا أو المكسيك أو حتى أوروجواي.

ولو امتلكت جنوب إفريقيا ذات المنتخب الذي بلغ المونديال عام 1998 لكانت فرصة منتخبها أفضل كثيرا.

حتى الكاميرون ونيجيريا يدخلان المونديال بعد صراع على التأهل بشق الأنفس وبعد عروض غير مقنعة في كأس الأمم الأخيرة، ومعهما الجزائر وهو فريق "مزاجي للغاية" قد يقدم عرضا مبهرا أمام فريق بحجم كوت ديفوار وقد يتلقى ثلاثة أهدافا "على سهوة" من فريق بحجم مالاوي.

وأزعم أن منتخب كوت ديفوار لو وقع في مجموعة مثل مجموعة نيجيريا لكان في وسعه التغلب على كوريا الجنوبية واليونان بسهولة أو في مجموعة الكاميرون لكان من السهل عليه التغلب على اليابان أو الدنمارك ونفس الأمر ينطبق على غانا أو حتى جنوب إفريقيا التي ستحتاج لكل الدعم المعنوي في مشوارها سواء جماهيريا أو تحكيميا أو تنظيميا.

باختصار لو تبادلت المنتخبات الإفريقية مواقعها لكان في وسع ثلاثة منها على الأقل أن تكون مرشحة لبلوغ دور الـ16.

ثانيا: وهو الأهم وهي عوامل مختلفة لها علاقة بكرة القدم في إفريقيا، ودعنا نبدأ بعدم الجدية والغرور، فالفرق الإفريقية خلال العشرين سنة الأخيرة تصاب بغرور شديد إذا فازت بمباراتين في الدور الأول أو أحيانا في أي مباراة يتم التقدم فيها بهدف.

وبعد حدوث النجاح المبدئي خلال المونديال يمر الفريق بفقدان تركيز والأمثلة عديدة وعلى رأسها منتخب الكاميرون عام 2002 تنازل عن ثلاث نقاط أمام أيرلندا بالتعادل وسجل هدفا واحدا في السعودية رغم كونه أفضل منتخب إفريقي عرفته القارة، وفي ذات المونديال تراخى السنغاليون في مباراتهم أمام تركيا ومن قبلها حدث ذلك لنيجيريا عام 1998 بعد بداية مشرقة، والأمثلة متعددة خلال مباريات عدة.

ولعل هذه الحالة من الغرور الممتزج بفقدان التركيز تقودنا إلى اتهام دائم للاعبي المنتخبات الإفريقية يتمثل في ارتفاع مستواهم مع أنديتهم الأوروبية عن منتخبات بلادهم وهو اتهام فيه ظلم كبير لجهودهم مثلما تعرض صامويل إيتو مؤخرا للنقد من جانب ميلا، لكن الواقع ببساطة أن الأفارقة يلعبون في أنديتهم تحت ضغط المنافسة الرهيبة على مواقع أساسية في تشكيلة منتخبات بلادهم كما أن أي تمريرة خاطئة موضوعة تحت المجهر وأمام نقد جماهيري لا يرحم ولا يخلو أحيانا من عنصرية.

أما عندما ينضم النجم الإفريقي إلى منتخب بلاده فهو ينضم على خلفية أنه بطل قومي ولذلك لا يرقى مستوى الجهد والالتزام التكتيكي بتعليمات المدرب والتركيز لأعلى درجة، فعلى سبيل المثال هل يقدم الإيفواري سولومون كالو نجم تشيلسي نفس الأداء وهو "مركون" على مقاعد البدلاء في إنجلترا ليثبت نفسه وسط العمالقة ذات الأداء مع الأفيال الذي يشارك معهم باعتباره نجما قوميا؟

وهل نذكر أخطاء دفاع منتخب نيجيريا والكاميرون أمام مصر في كأس الأمم والتي لا يتم ارتكابها غالبا في أوروبا.

وإذا كان الانضباط هو أحد أهم مسئوليات المدير الفني لأي منتخب إفريقي كما يفعل بنجاح حسن شحاتة مع الفراعنة ينبغي أن نشير إلى أن منتخبات إفريقيا غالبا ما تخوض مشوار تصفيات المونديال بمدرب ثم يتم اختيار مدير فني جديد لقيادة الفريق في المونديال مثلما حدث هذا العام مع كوت ديفوار ونيجيريا وبالتالي تكون فترة البناء قصيرة ومتعارضة مع مرحلة المدير الفني السابق ويكون دافع المدرب الجديد هو المشاركة في المونديال فقط دون حرص على مستقبله مع الفريق.

وربما يقودنا التخبط التدريبي لمنتخبات إفريقيا إلى عنصر الإدارة والاتحادات المحلية وهذا هو أصل البلاء في جميع المجالات في القارة السمراء وهذا هو سبب عدم تحقق نبوءات الخبراء منذ عام 1990.

فالتقدم حدث فقط على مستوى الأفراد أو اللاعبين الذين هاجروا لأوروبا في الصغر ونالوا أكبر البطولات مع أنديتهم مثل جورج ويا ودروجبا وإيتو تماما مثل أي مهاجر يحقق النجاح في بلد جديد نتيجة لوجود نظام يرعاه ويحميه ولا يعني نجاحه بالضرورة نجاح بلده الأصلي.

ولذلك نجحت منتخبات إفريقيا أوليمبيا في الحصول على ذهبية سيدني وأثينا لأن في هذه المرحلة السنية لا تكون المواهب الأوروبية قد نضجت بعد.

الإدارة الكروية في إفريقيا بدءا من الاتحاد الإفريقي (كاف) وحتى أصغر رئيس ناد متخبطة ولا تمنح الفرصة للاعبين أو المدربين لبناء منتخبات قوية أو العمل في مجال هادئ أو باستقرار وتظل دائما مشكلة الرواتب والإنفاق قائمة حتى يتدخل رؤساء الدول أحيانا لحلها.

ولذلك ظلت الكرة الإفريقية على حالها تخرج من الدور الأول في كل مونديال باستثناء فريق واحد يمثل دائما "فلتة" أو "طفرة" فردية لجيل من اللاعبين لكن لا تتحول هذه الطفرة إلى قوة إقليمية أو تواصل دائم للأجيال وتبقى القارة وأبناؤها أجمع يشجعون الشباب أصحاب البشرة السمراء على أمل معجزة دون جدوى تماما كما يحدث لهؤلاء الأبناء في كل المجالات وليس في الرياضة وحدها.

ملحوظة أخيرة : أتمنى أن تخالف المنتخبات الإفريقية الستة توقعاتي بتحقيق نجاح غير مسبوق يمنح هذه القارة النصيب الذي تستحقه خصوصا أن تشجيعها لا أعتبره اختيارا بقدر ما أعتبره قدرا، وهو الرأي الذي اكتشفت أن زملائي من الصحفيين الأفارقة من معظم الجنسيات يشاركوني إياه.

تابعوني على تويتر

http://twitter.com/nasry

أو على فيس بوك

http://bit.ly/cW1B4r

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات