صادق فهمي.. رحلة المصري الأول في أرسنال

الثلاثاء، 31 مايو 2022 - 18:44

كتب : محمد سلطان

صادق فهمي أول لاعب مصري في تاريخ أرسنال

بعد وصول الموسم المنتهي من الدوري الإنجليزي إلى محطته الأخيرة، أعلن نادي أرسنال تجديد عقد لاعبه المصري محمد النني، لتستمر رحلة لاعب الوسط المصري المشرفة مع مدافع لندن.

تلك الرحلة التي بدأت في الأيام الأولى من عام 2016، في صفقة رصدتها أخبار وكلمات أبرز الصحف العربية والعالمية، تحدثت فيها عن المصري الأول الذي سيرتدي قميص فريق لندن العريق.

بعد أيام من توقيع النني عقده الأول مع أرسنال، ظهر أحد العارفين بتاريخ نادي أرسنال الإنجليزي، أندي كيلي، ليعلن أن النني ليس أول مصري ينضم إلى كتيبة المدفعجية، مستندًا إلى خبر في صحيفة «ديلي إكسبريس» الصادرة في أغسطس من عام 1921، التي ذكر فيها اسم مصري آخر هو صادق فهمي.

ما أشار إليه كيلي كان مثيرًا للاهتمام، وكان دافعًا للبحث عن صادق فهمي وقصته. ومما ذكرته المصادر العربية والإنجليزية نتأكد من صحة ما قاله كيلي. فقد كان صادق هو أول لاعب كرة قدم مصري يرتدي قميص أرسنال، لكن حكايته مع الكرة الإنجليزية كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بعام. أما رحلته مع الكرة فكانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بأعوام في شوارع القاهرة وملاعبها، قبل أن يقوده القدر إلى عاصمة الضباب.

الخطوات الأولى في القاهرة

ما حدث لفهمي في رحلته مع كرة القدم كان نتاجًا للوضع الذي مرت به الكرة المصرية في فترة شبابه. فقد ترعرع صادق في الفترة التي تأسس فيها قطبا العاصمة الأهلي والزمالك، حيث كان الفريقان يتحديان القوات الإنجليزية التي امتلأت بها العاصمة في السنوات الأولى لتأسيس الناديين في العقد الثاني من القرن الماضي.

بالبحث في أوراق تلك الفترة نجد أن صادق فهمي كان أحد عناصر فريق نادي الزمالك الذين شاركوا في المباريات الودية ضد فرق الاحتلال الإنجليزي قبل عام 1920. كانت تشير المصادر الصادرة باللغة الإنجليزية إلى نادي الزمالك، حيث يلعب صادق بنادي القاهرة الدولي C.I.S.C (Cairo International Sporting Club)،

بالنظر إلى هذه الوثيقة التي تراها أسفل هذه الفقرة نجد تقريرًا أعده مراسل صحيفة «The Sphinx» الصادرة في القاهرة بتاريخ 18 يناير عام 1919 لمباراة جمعت نادي القاهرة الدولي (الزمالك) مع فريق «Essex Regiment»، وانتهت بفوز المصريين بهدفين مقابل هدف واحد، وكان صادق فهمي هو صاحب هدف الزمالك الأول في المباراة.

ريدينج.. البداية

عام 1920 شهد بداية صادق فهمي مع كرة القدم الإنجليزية، حيث عمل في مزرعة في مدينة ريدينج، فقد كان الجناح المصري يتحدث 4 لغات. فيما يبدو أن تلك الميزة لشاب لم يتجاوز الـ22 من عمره لعبت دورها في وصول الجناح المصري إلى بريطانيا وحصوله على عمل هناك، لكن كرة القدم التي برع فيها هي ما أسرعت في اندماجه داخل المجتمع الإنجليزي، فانضم إلى فريق «Wallingford Wednesday»، الذي لعب له خلال عام 1920.

بالبحث عن هذا الفريق لم نصل إلى أي معلومات تشير إلى فريق يحمل الاسم نفسه في إنجلترا حاليًّا، لكن وجدنا بعض المصادر التي تشير إلى فترة لعب فهمي ضمن صفوف هذا الفريق المجهول.

هنا تشير صحيفة «Berks and Oxon Advertiser» في عددها الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1920 إلى مباراة لعبها فهمي مع فريقه ضد فريق«Henley»، ووصفت الجناح المصري بأنه قام بمجهود كبير لكنه لم يصل إلى مستواه المعهود، وهذا يعني أن فهمي كان قد شارك مع الفريق في مباريات عديدة قبل ذلك التاريخ.

بعد هذا التاريخ بشهرين تشير الصحيفة نفسها في عددها الصادر بتاريخ 3 ديسمبر 1920 إلى مباراة بين فريق فهمي وفريق «United Banks»، حيث قدم فهمي عرضًا رائعًا، وكان له النصيب الأكبر من هجمات فريقه على مرمى المنافس بثلاث هجمات خطيرة، أصابت إحداها القائم قبل أن ينجح في الدقائق الأخيرة من المباراة في إحراز هدف التعادل لفريقه.

1921.. الرحلة إلى هايبوري

الأداء الرائع الذي قدمه صادق فهمي مع فريقه في البطولات المحلية في ريدينج جذب إليه أنظار أرسنال، الذي سعى لضمه قبل بداية موسم 1921/1922.

لم يكن أرسنال قد حقق بعد إنجازاته الكبيرة وثبت أقدامه بين كبار القوم، لكنه كان قد خطا خطوته الأولى نحو تلك الإنجازات بالانتقال إلى ملعب هايبري عام 1913، ومع هذا الانتقال تحول أرسنال إلى اسمه الحالي بدلًا من اسمه القديم وولويتش أرسنال، لكن الصحف في تلك الفترة كانت لا تزال تشير إلى النادي باسمه القديم.

وصل صادق إلى أرسنال الذي كان ينافس حينها في دوري الدرجة الأولى الإنجليزية كلاعب مصري مدعومًا بالبصمات الرائعة التي تركها أبو الكرة المصرية حسين حجازي خلال فترة لعبه في إنجلترا، في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، ثم الأداء الرائع الذي كان يقدمه توفيق عبد الله في ملاعب الإنجليز، مما جعل جمهور أرسنال في سعادة كبيرة وفي حالة انتظار لما يمكن أن يقدمه لاعب آخر قادم من بلاد النيل.

في الـ20 من أغسطس من عام 1921 لعب صادق مباراته التجريبية الأولى مع أرسنال أمام 8 ألاف متفرج، حيث شارك في الشوط الثاني من المباراة ووصف بأنه سريع ويجيد التمركز، وفقًا لما أشارت إليه صحيفة «Berks and Axon Advertiser» في عددها الصادر بتاريخ 26 أغسطس عام 1921، ضمن تقرير لها عن نجمين متوقع تألقهما مع أرسنال، وكان صادق فهمي أحدهما، فقالت الصحيفة إن صادق لعب في القاهرة مع توفيق عبد الله لاعب ديربي كاونتي ضمن الفريق المصري الذي واجه فريق القوات البريطانية خلال فترة وجوده في القاهرة.

صحيفة «Birmingham Gazette» اهتمت أيضًا بخبر وصول لاعب مصري آخر إلى الدوري الإنجليزي بعد حسين حجازي وتوفيق عبد الله، وأشارت إلى الفترة التي لعب فيها صادق في البطولات المحلية في ريدينج.

خطأ في التسجيل والتباس حول اسم اللاعب

في الـ24 من أغسطس عام 1921 نشرت صحيفة الـ «Daily News» الصادرة من لندن خبر توقيع أرسنال مع لاعب مصري آخر يحمل اسم صادق سهمي. ووضعت الصحيفة أوصافًا للاعب مثل طوله ووزنه، فوصفته بأن طوله 5 أقدام و8 بوصات (172 سم) ووزنه نحو 70 كيلوجرامًا.

هنا تثير الصحيفة نقطة هامة بالحديث عن المصري الآخر الواعد في أرسنال فارمي (Farmy)، الذي قدم أداءً رائعًا في مباراته التجريبية مع أرسنال، التي جعلته مرشحًا للمشاركة في المباراة الافتتاحية في الدوري الانجليزي.

في الحقيقة لم يكن الحديث هنا عن لاعبين ولكن عن لاعب واحد فقط، ولكن خطأ في كتابة اسم اللاعب حين وصوله إلى أرسنال كان وراء هذا الالتباس، الذي سيتضح بعد ذلك ويمنحنا معلومات أكثر عن صادق فهمي.

في زمن كان فيه الدوري الإنجليزي حكرًا على أبناء بريطانيا، أثار خبر وصول لاعب مصري جديد بالإضافة إلى فهمي تساؤلات الصحفيين الذين أدركوا منذ اللحظة الأولى حدوث خطأ نتج عنه هذا الالتباس.

أحد كتاب صحيفة الـ«Daily Herald» كشف عن هذا الخطأ في العدد الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 1924، قائلًا إن عدم الدقة في كتابة الحروف الأولى من اسم صادق فهمي في بعض الصحف كان وراء هذا الخطأ.

هذا الخطأ الذي يبدو غير منطقي كان مفيدًا جدًّا في عملية البحث خلف صادق فهمي، فمن هنا حصلنا على الصورة الوحيدة التي نمتلكها للجناح المصري، حين أفردت صحيفة «The Athletic News» في عددها الصادر بتاريخ 29 أغسطس 1921 خبرًا للحديث عن اللاعب المصري الجديد في أرسنال، ووضعت صورة صادق فهمي مع الخبر.

هذا التضارب الذي صاحب توقيع صادق فهمي لأرسنال وأداؤه الجيد في المباريات الإعدادية وضعاه تحت الأنظار، وجعلا صحيفة «Sheffield Daily Telegram» في تقديمها للمباراة تتوقع مشاركة الوافد الجديد لاعبًا أساسيًّا في المباراة، خاصة مع احتمال غياب الجناح الأساسي للفريق دكتور باترسون عن المباراة لعدم الجاهزية.

بدأ أرسنال موسم الدوري الإنجليزي بهزيمة أمام شيفلد يونايتد 2-1 في مباراة غاب عنها دكتور باترسون للإصابة، لكن الجناح المصري غاب أيضًا عن المباراة لأنه لم يكن جاهزًا بعد.

تقرير المباراة من عدد الـ«Daily Mirror» الصادر بتاريخ 29 أغسطس 1921

بعد ذلك التاريخ وأثناء البحث لم نجد مشاركات لصادق فهمي مع الفريق الأول لأرسنال في بطولة الدوري، ولعل هذا هو السبب الرئيسي في غياب المعلومات تاريخيًّا عن المصري الأول في تاريخ أرسنال.

رغم ذلك لعب صادق فهمي مباريات عديدة مع الفريق الثاني لأرسنال. هنا يظهر اسم فهمي ضمن تقرير أعدته صحيفة «Croydon Times» بتاريخ 5 أكتوبر 1921. يظهر اسم فهمي ضمن الرسم التكتيكي للفريق الثاني لأرسنال، الذي واجه كريستال بالاس وخسر بنتيجة 4-1.

المباراة الوحيدة التي تم الوصول إليها لصادق فهمي مع فريق أرسنال الأول تعود إلى 29 مارس من عام 1922، حيث شارك بديلًا لدكتور باترسون، حين قام أرسنال بزيارة إلى ريدينج للعب مباراة خيرية هناك. نشرت صحيفة «The Reading Observer» تقريرًا عن زيارة أرسنال لريدينج وعودة صادق فهمي للعب الكرة في ريدينج مرة أخرى، حيث لعب هناك في أيامه الأولى في بريطانيا.

خطوة هامة في رحلة البحث

في ظهيرة أحد أيام شهر أبريل من عام 2008 كانت إيلين تجلس في غرفتها تتصفح موقع «Genes Reunited» المهتم بالبحث عن أصل العائلات حول العالم، ويساعد رواد الموقع في الوصول إلى معلومات عن أقاربهم بعد أن انقطعت صلتهم بهم.

قررت إيلين المشاركة وكتبت تعليقًا يسأل خبراء الموقع عن معلومات عن أحد أقاربها، وذهلت بالمعلومات التي وصلت إليها عن الرجل وعن حياته وعن الوثائق التي حصلت عليها.

تشجعت إيلين أكثر لتسأل عن سيدة تربطها بها صلة قرابة. السيدة كانت تدعى «Daisy L Wells. قالت إن المعلومات التي لديها عن هذه السيدة أنها ولدت في مدينة بنسون في نوفمبر من عام 1898، وأنها تزوجت في ديسمبر من عام 1921 في لندن من رجل مصري وأبحرت معه وطفلتهما إلى القاهرة في صيف عام 1922. هذا الزوج المصري كان صادق فهمي.

هذه المعلومة كانت مفيدة في البحث عما آل إليه مصير صادق فهمي بعد موسمه الأول في إنجلترا.

زواج صادق فهمي

بالبحث في موقع «Find My Past» حيث يمكننا الوصول إلى الوثائق المتعلقة بالمواطنين داخل المملكة المتحدة في القرن الماضي، كان الوصول إلى تفاصيل الزواج أمرًا رائعًا، يثبت استقرار صادق فهمي واندماجه داخل المجتمع الإنجليزي، لكن الأهم كان الوصول إلى معلومات عن عودته من المملكة المتحدة إلى مصر في أغسطس من عام 1922.

رحيل صادق فهمي إلى القاهرة

الوثائق تظهر أن المصري قد ولد في عام 1898، وهو ما يتطابق مع عمر صادق فهمي الذي ذكرته المصادر الصحفية حين أعلنت عن انضمام اللاعب إلى أرسنال.

أيضًا تطابقت هذه المعلومات مع ما نعرفه عن مسيرة صادق فهمي بعد ذلك، حيث ظهر اسمه مرة أخرى كلاعب في الزمالك ومنتخب مصر عام 1923.

الحياة في القاهرة

في العامين اللذين قضاهما فهمي بعيدًا من القاهرة كانت قد شهدت الكثير من المتغيرات في عالم كرة القدم المصرية. فقد نجح مسؤولو كرة القدم في مصر في تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم عام 1921، بعد أن شارك منتخب مصر في الألعاب الأولمبية للمرة الأولى في أنتويرب البلجيكية كأول دولة عربية وإفريقية تشارك في مسابقات كرة القدم في الأولمبياد.

الأيام الأولي من عام 1923 شهدت ذكريات سعيدة للاعبنا المصري، حيث أصبح اسم صادق فهمي ضمن أسماء أول منتخب مصري في سجلات اتحاد الكرة المصري، رفقة العديد من رواد اللعبة، على رأسهم حسين حجازي، في فترة شهدت البداية الحقيقية لكرة القدم في مصر.

صادق فهمي أيضًا لعب دوره في فوز الزمالك على الأهلي بخماسية في ودية أقيمت بين قطبي القاهرة في يناير من عام 1923، أحرز منها فهمي ثلاثية، ليصبح صاحب أول هاتريك في تاريخ دربي العاصمة.

محترف مصري سابق يطلب تصريحًا للمشاركة

بعد عامين شارك فيهما صادق فهمي مع فريق الترسانة قرر العودة مرة أخرى إلى إنجلترا، حيث استقر في مدينة بنسون -المدينة التي ولدت فيها زوجته- وذكرت صحيفة «Thame Gazette» في عددها الصادر بتاريخ 4 ديسمبر 1928 أن المحترف المصري صادق فهمي الذي لعب في نادي أرسنال موسم 1922 قد طلب تصريحًا ليلعب مع فريق بنسون، وأنه قد حصل على هذا التصريح الذي يسمح له بالمشاركة مع الفريق في المباريات ما عدا مسابقات منطقة أوكسفورد.

في 25 يناير من عام 1929 جاء ذكره مرة أخرى في تقرير صحيفة «Berks and Oxon Advertiser» عن مباراة جمعت فريقي بنسون وسوتون، وجاء فيه أن صادق فهمي بخبرته يلعب دورًا في مساعدة الشباب الذين يشاركونه خط هجوم الفريق.

استمرت رحلة صادق فهمي في إنجلترا حتى عام 1930 قبل أن يقرر العودة إلى مصر مرة أخرى.

سنوات عديدة عاشها فهمي في إنجلترا، لكن بكل تأكيد ارتداء اللاعب قميص أرسنال أحد أعرق الأندية في العالم يظل العلامة الأبرز في مسيرته بعيدًا من الوطن.

موقع أرسنال الرسمي لا يشير إلى صادق فهمي ولا إلى فترة لعبه مع الفريق، رغم ذكره عددًا من اللاعبين الذين لعبوا مع فهمي في الفريق نفسه، ويشير الموقع دائمًا إلى محمد النني باعتباره المصري الأول في تاريخ أرسنال، وهو ما يجب تغييره بعد الوصول إلى هذه الوثائق احترامًا لتاريخ مصري آخر قطع هذا الطريق إلى لندن قبل محمد النني بـ96 عامًا.

صادق فهمي هو أحد الرواد الذين لعبوا دورهم في دفع كرة القدم في مصر نحو الأمام في أيامها الأولى. لم يحقق صادق ما حققه الكثيرون من لاعبي مصر الذين وصلوا إلى أوروبا، لكن في زمان كزمان فهمي فإن ما قدمه كان يستحق أن يروى، وأن يوثق كغيره من حكايات الأولين مع الكرة في مصر.

المصادر

جريدة The Sphinx

جريدة Berks and Axon Advertiser

جريدة Birmingham Gazette

جريدة Daily News

جريدة Daily Herald

جريدة The Athletic News

جريدة Sheffield Daily Telegram

جريدة Croydon Times

جريدة The Reading Observer

موقع Find My Past

جريدة Thame Gazette

كتاب مصر وكرة القدم للدكتور ياسر أيوب

اقرأ أيضا:

غياب صلاح عن تشكيل الأفضل في أوروبا

عودة مهاجم الأهلي

موقف حسام حسن القانوني من تدريب المصري

تفاصيل استبعاد فتوح من منتخب مصر

التعليقات