تحقيق في الجول – أفضلية دائمة أو إقصاء فرد من أجل العدالة.. سيمينيا ومثيلاتها يردن الركض بحرية

الجمعة، 15 أبريل 2022 - 01:07

كتب : دعاء نائل

موكجادي كاستر سيمينيا

"سأواصل كفاحي داخل المضمار وخارجه من أجل كافة الرياضيات، لحين نتمكن جميعا من الركض بحرية كما وُلدنا".

كلمات خرجت من فم العداءة الجنوب إفريقية كاستر سيمينيا عقب خسارة إحدى جولات الحرب المستمرة مع الاتحاد الدولي لألعاب القوى منذ 2009 وحتى الآن. يوم قرروا إرغامها على أحد الخيارين لاستمرار مشاركتها في منافسات العدو، وكلاهما لها مر، يستحيل تقبله.

يحمل جسد سيمينيا معدل أعلى من الطبيعي لـ هرمون تستوستيرون (فوق 10 نانومول/ لتر)، ورغم كونه هرمونا ذكوريا، إلا أن أجسام الإناث تنتجه بمعدلات أقل (0.1 - 2.8 نانومول/ لتر) وتسمى تلك الحالة فرط الأندروجينية، وتوجد لدى 5 إلى 10 في المائة من النساء حول العالم.

"أنا موكجادي كاستر سيمينيا، أنا امرأة.. وسريعة"

قصة كاستر سيمينيا بدأت عندما أثيرت الشكوك حولها في بطولة العالم لألعاب القوى بـ سباق الـ 800 متر في برلين عام 2009، وادعت حينها الإيطالية إليسا كوزما، إحدى المتسابقات المتنافسات أن سيمينيا رجل، وذلك بعدما وصلت خط النهاية بفارق زمني بسيط عنها.

كاستر سيمينيا تعتزم المشاركة في سباق 200 متر بالأولمبياد - بوابة الشروق -  نسخة الموبايل

طالب الاتحاد الدولي لألعاب القوى حينها بخضوع سيمينا إلى فحوص للكشف عن جنسها الحقيقي، وأثبتت الفحوصات تلك أنها أنثى، لكن تحمل نسبة عالية من هرمون الذكورة في جسدها.

وظهرت تقارير زعمت بأنها -خنثى ذو خصيتين داخليتين وذلك سبب الارتفاع الكبير في معدل التستوستيرون، لكن لم تتأكد تلك التقارير حتى يومنا هذا-.

اختلاف طبيعة الجسم بين الرياضيين أمر طبيعي للغاية، نجد تباين في الطول والوزن والعمر وكتلة العضلات والهرمونات أيضا، وتلعب تلك العوامل دورا أساسيا في تحديد اللاعب الذي يبلغ نقطة النهاية أولا.

لكن يبقى لمستوى الهرمون الذكوري الموجود في أجسام اللاعبين، وبالتحديد لدى اللاعبات الإناث، محط أنظار القائمين على الألعاب الأولمبية.

"استبعاد الرياضيات أو تعريض صحتنا للخطر بسبب قدراتنا الطبيعية يضع ألعاب القوى على الجهة الخاطئة من التاريخ"

في عام 2011، سنّ الاتحاد الدولي لألعاب القوى قانونا بخصوص ذلك الأمر، مستندا فيه على الإجماع العلمي بأن التباين في الأداء بين الذكور والإناث يرجع لتفاوت مستويات التستوستيرون لدى الجنسين، ويجب على الرياضيات اللاتي تعاني من تلك الحالة، تناول عقاقير للحد منه في أجسادهن، وذلك من أجل ضمان "المنافسة العادلة" كما أشار البيان حينها.

Ruling Leaves Caster Semenya With Few Good Options - The New York Times

لم يطبق القانون حتى عام 2021 وما بين تلك الفترة، ركضت العداءة سيمينا في قاعات المحكمة الدولية من أجل إسقاطه، حتى جاءت أولمبياد طوكيو التي أقيمت في العام ذاته لتخسر أكبر معاركها مع الاتحاد الدولي لألعاب القوى.

قبل بداية الأولمبياد، وضع الاتحاد الدولي لألعاب القوى أمام سيمينيا خيارين، إما تناول عقاقير تقلل من نسبة هرمون الذكورة في جسدها لمدة 6 أشهر قبل أي مسابقة دولية حتى تصل النسبة إلى 5 نانومول/ لتر.

أو أن تتخلى عن السباق في المسافات القصيرة التي تفضلها (400 - 800 -1500 متر) وتنافس في المسافات الطويلة (5000 متر).

وجدت حاملة الذهبية الأولمبية مرتين، وبطلة العالم ثلاث مرات في هذه القواعد الجديدة "تمييزا" و"انتهاك لكرامتها الإنسانية".

وفي النهاية، غابت كاستر سيمينيا عن الأولمبياد رغم خوضها تصفيات الـ 5 آلاف متر للسيدات في مدينة لييج البلجيكية، لكنها حلت في المرتبة الرابعة ولم تكن لتشارك في كل الأحوال بعد تخطيها الموعد النهائي للتسجيل بسبب تعليق آمالها على طعن يمكنها من خلاله المشاركة في المسافات القصيرة التي تفضلها.

"جعلني الله ما أنا عليه، أنا كما أنا، أتقبل نفسي وأفتخر بهويتي"

يتعامل الوسط الرياضي مع حالة سيمينيا بطريقة متباينة للغاية، متبنيين رأيين مختلفين.

الرأي الأول

الرأي الأول يرى بأن الفروقات في المواهب والقوى بين الرياضيات أمر طبيعي، لاسيما في حالة الجنوب إفريقية، خصوصا وأن الأمر ليس بيدها.

Who is Caster Semenya, what is hyperandrogenism, can she still race and who  is her wife?

بيتر كراوتش مهاجم إنجلترا السابق ويان كولر مهاجم التشيك السابق مثلا، كانا يتمتعان بطول قامة فارع يتخطى 200 سنتيمتر، وبفارق كبير عن أقرانهما في اللعبة، وهو ما منحهما الأفضلية في مواقف كثيرة داخل المباراة.

نفس الأمر في رأيهم ينطبق على حالة سيمينيا، والتي وهبها الله ظواهر جسدية تجعلها تتفوق على قريناتها، ولم تتدخل هي بنفسها للفوز بها. هي مجرد هبة ربانية.

الرأي الثاني

أما الرأي الآخر فيرى أن الفارق الواضح الذي يحمله جسد سيمينيا من قوة وكتلة عضلية يجعلها إلى حد كبير أقرب للذكر من الأنثى، خاصة وأنها تتنافس في الألعاب الفردية التي يحسمها اللاعب بنفسه ولا يكون مجرد فرد في مجموعتين يتنافسان داخل ملعب.

يرون أنه من غير العادل، تواجد أمثالها في منافسة مع النساء ويطالبون باستبعادها من المسابقة.

الأمر يختلف في رأيهم هنا عن حالة لاعب يملك قوة بدنية مثلا كـ أداما تراوري، أو طول فارع كـ بيتر كراوتش. هي منافسة فردية وليست جماعية.

رأي الخبراء

FilGoal.com تواصل مع دكتور محمد أبو العلا، طبيب الفريق الأول لمنتخب مصر، وذلك للحديث عن حالة سيمينا، وجاءت إجابته كالآتي:

هل زيادة التستوستيرون في جسد المرأة يؤثر على عدالة المنافسة؟

"نعم تؤثر بالطبع ويعطيها أفضلية في المنافسة على منافسيها".

هل الأمر بيديها؟

"لا، هناك فحوصات تثبت بسهولة إذا كان الأمر جينيا أم لاا".

هل البعض يستغل تلك الحالة لاكتساب تفوق رياضي لنفسه على أقرانه؟

"نعم، تم اكتشاف حالات من قبل، ولذلك تدرج في قائمة المنشطات".

وبخصوص تلك النقطة تواصل FilGoal.com مع دكتور هانم أمير، المدير التنفيذي للمنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، للحديث عن كيفية التمييز بين الرياضي صاحب معدلات التستوستيرون العالية بشكل طبيعي، والمتعاطي للهرومون كـ منشط:

"أثناء الكشف عن عينات اللاعبين واللاعبات في البطولات، هناك جهاز يسمى IRMC يقوم بإصدار إخطار في حال اكتشف أن معدل هرمون التستوستيرون عال في الجسم، وفي تلك الحالة يتم أخذ تلك العينة وعمل فحص يسمى تحاليل تأكيدية ومن خلالها يتم التعرف على السبب الحقيقي".

"نستطيع بوضوح من خلال تلك التحاليل التأكيدية معرفة إذا كان الشخص قد تناول منشطات لزيادة الهرمون في جسده أم أن جسده يفرزها بشكل طبيعي".

"أنا لست مزيفة، أنا طبيعية وأريد فقط أن أكون كاستر لا شخص يريدني الناس أن أكونه، ولدت هكذا ولا أريد أي تغييرات".

تناول عقاقير تقليل هرمون تستسترون كان أحد الحلول التي طرحها الاتحاد الدولي لألعاب القوى أمام سيمينيا للعودة إلى المنافسات. هنا بحث FilGoal.com عن الأثر السلبي الطبي المحتمل إن اختارت الحل.

هل تناول عقاقير تحد من الهرمون في جسدها يضرها بالفعل؟

تحدث FilGoal.com مع دكتور محمد أبو النصر، مدرس مساعد في قسم النساء والتوليد بجامعة قناة السويس، وقال: "ليس لها ضرر، بل بالعكس ستقيها من مخاطر زيادته في الجسم، رغم أنها ستقلل كفاءتها على المستوى الرياضي نتيجة نقص الكتلة العضلية ومعدل الأيض بسبب نقصه".

**الأيض هو العملية التي يحوّل فيها جسمك ما يتناوله من طعام أو شراب إلى طاقة**

الخيار آمن طبيا إذا، لكن يبقى قرار حصول أي إنسان لعقاقير تؤثر على جيناته، متروكا لصاحبه ويجب أن يكون بمحض إرادته.

"التنافس في سباق سريع أفضل بالنسبة لي من الفوز، يمكنك الفوز في سباق بطيء لكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة لي".

هل حرمانها من السباق في المسافات القصيرة التي تفضلها عادلا؟

لست هنا لإصدار أحكام، سأطرح فكرتين كمحاولة لإيجاد العدل الذي يبحث عنه الجميع.

الأولى، تقبل الوضع والتعامل معه كونها فريدة من نوعها كما هي بالفعل، وتقبل وضعها داخل المنافسة، لكن مع ذلك سنضطر لتقبل الأفضلية التي ستكون لها في كثير من الأحيان.

أما الحل الآخر وهو بعيد بعض الشيء عن التنفيذ رغم مطالبة البعض به، فهو استحداث منافسة منفصلة في حال وجد عدد كاف من المشاركات فيها برغبتهن، ولكنها وإن أقيمت بالفعل ستغيب عنها أهم سمات المسابقات، وهي المنافسة الحقيقية.

الأمر شائك، والخيارات قليلة، ويبدو أن طرف سيظلم في النهاية بعد حل تلك المعادلة الصعبة، لكن هذا هو وضع موكجادي كاستر سيمينيا ومثيلاتها، وإليك حرية تحديد خيارك.

التعليقات