قصص المونديال المنسية - جريمة في خيخون

الخميس، 24 مايو 2018 - 11:29

كتب : أحمد عبد اللطيف يوسف

الجزائر 1982

مسيرة مميزة حققها المنتخب الجزائري في الأدغال الإفريقية أستحق من خلالها العبور الأول له إلى كأس العالم.

من أصل 8 مباريات فاز في 5 و تعادل في اثنتين و خسر مباراة واحدة أحرز 16 هدفا واستقبلت شباكه 6 أهداف فقط، أخيرا وبعد انتظار 52 عاما بقيادة فنية لرشيد مخلوفي دون محاربو الصحراء أسماءهم في سطور المونديال من الباب الكبير.

عيون على إسبانيا

تم اختيار إسبانيا لاستضافة النسخة الثانية عشر من المونديال بعد اتفاق بين الاتحادين الإسباني والألماني، على أن يدعم الأول ألمانيا للحصول على حق استضافة مونديال 1974، ثم يقوم الأخير بدعم إسبانيا لاستضافة نسخة عام 1982، وأجرى الاتحاد الدولي لكرة القدم تغييرات على نظام البطولة.

أقيمت البطولة لأول مرة بمشاركة 24 منتخبا بدل من 16 قسمت إلى 6 مجموعات بحيث يصعد أول وثاني كل مجموعة إلى الدور الثاني يحصل الفائزعلى نقطتين ونقطة واحدة عند التعادل، وعند تساوي النقاط يتم اللجوء لفارق الأهداف.

وقع المنتخب الجزائري في المجموعة الثانية إلى جوار العملاق ألمانيا الغربية والنمسا بالإضافة إلى تشيلي واختير ملعبي المولينون بمدينة خيخون وكارلوس تارتيير بمدينة أوفيدو لاستضافة أحداث المجموعة. ملاحم منتظرة لرفاق الأخضر بلومي ورابح مادجر حيث خطت أقدامهم صوب الغرب الإسباني.

جنون العظمة

اصطدم المنتخب الجزائري بمنتخب ألمانيا الغربية كل المعطيات وأشد المتفائلين للمنتخب الجزائري يمنون النفس بالخروج بهزيمة ليست ثقيلة أمام بطل أوروبا عام 1980 وكأس العالم عام 1974 بقيادة الألماني جوب ديروال وكتيبة تحمل أسماء كبيرة مثل كارل هاينز رومينيجه أفضل لاعب في أوروبا عامي 1981 و1982 ، فيلكس ماجات، بول برايتنر وهورست هروبيش.

"سوف نكرس هدفنا السابع لزوجاتنا، والثامن لكلابنا" قائد المنتخب الألماني رومينيجه في المؤتمر الصحفي لمبارااة فريقه أمام الجزائر.

من جانبه لم يبد مدرب المنتخب الألماني أهمية للقاء ورفض عرض أشرطة فيديو للمنتخب المنافس على لاعبيه لأنه اعتقد أنهم كانوا يضحكون عليه، وقال إنه سيلقي بنفسه في البحر الأبيض المتوسط إذا انتهت المباراة بخسارتهم.

أما حارس المرمى هارالد شوماخر قال إنه سيشارك بالبذلة الرسمية في إشارة إلى أن المباراة لن تأخذ مجهود كبير منه.

طالع كل تغطية FilGoal.com وتقارير كأس العالم من هنا

المنتخب الجزائري صعق 42 ألف مشجعا احتشدوا في ملعب المونينون عندما أحرز رابح مادجر هدف التقدم في الدقيقة التاسعة من الشوط الثاني بعدها عادل رومينيجه النتيجة في الدقيقة 67 هنا ظن الجميع أن المباراة اتجهت صوب المنتخب الألماني لكن كانت بانتظارهم مفاجأة غير متوقعة فقط دقيقة واحدة منحت التقدم للجزائر مجددا بهدف الأخضر بلومي من كرة عرضية.

"ما ساهم في تفوقنا أننا كنا منتخبا مجهولا، وهذا ما دفعنا لإخراج كل ما لدينا وتقديم مباراة تاريخية".. الجزائري صالح عصاد من جانبه صرح رابح مادجر "من رأيي أن المنتخب الألماني المرشح الأبرز للبطولة الفوز كان له طعم مميز لعبنا بأسلوبنا الخاص بدون خوف وأي عقد".

بعد ذلك، انتقل للعب المباراة الثانية أمام النمسا ومُني بهزيمة بنتيجة هدفين دون مقابل في مباراة دخلها الفريق الجزائري ويبدو أن اللاعبين لا يزالوا يحتفلوا بالفوز التاريخي في المباراة الافتتاحية.

الغاية تبرر الوسيلة

في 24 يونيو استعاد المنتخب الجزائري في أوفييدو توازنه وهزم المنتخب التشيلي بثلاثة أهداف مقابل هدفين بعدما كان متقدما بثلاثية نظيفة ،كان الفوز بفارق هدف هو الضامن الوحيد لألمانيا الغربية للتأهل فيما التعادل أو الخسارة كان سيطيح به من الدور الأول لمصلحة المنتخب العربي.

في اليوم الثاني وعلى ملعب المونيون في خيخون كان المنتخب الألماني بحاجة لاستعادة كبريائه أمام نظيره النمساوي الذي كان ينظر للتأهل فقط، وكان له ما أراد بعد أحد عشر دقيقة منذ انطلاق صافرة الأسكتلندي بوب فالنتين عن طريق هورست هروبيش ووضح مليا أن المنتخبان قد ارتضيا بتلك النتيجة عن طريق تناقل الكرة في وسط الملعب والمناطق الدفاعية.

إذا كنت لا تعتقد أن شيئا مريبا كان يحدث لنأخذ شوط المباراة الثاني كمثال أوبتا سبورت هي شركة متخصصة في جمع ونشر الإحصائيات الرياضية لديها إحصائيات لكأس العالم منذ 1966 وهناك بعض الإحصائيات لتلك المباراة ويتضح من خلال شوط المباراة الثاني أن هناك ثلاثة تسديدات لم يكن أي منها بين الثلاث خشبات.

ألمانيا الغربية قامت بثمان تدخلات ناجحة واحدة كل ست دقائق كلا الفريقين امتلكا دقة تمرير بلغت 90% وكأن في الملعب 22 لاعبا من عديمي المخاطرة، النمسا حققت 99% نسبة نجاح في التمريرات في نصف ملعبها أما ألمانيا الغربية بلغت نسبة تمريراتها في نصفها الأخر 98 %.

بالعودة لفيديو المباراة لم تكن نقاط محددة متفق عليها لكن بعض من التمريرات الغير مضغوطة والهجوم الغيرمشروط فقط ينشط كلا المنتخبان في المناطق الدفاعية بعض من الملحوظات بعد 52 دقيقة، يعود رومينيجه من الحالة الهجومية بالكرة إلى المنتصف من خلال تمريرة طويلة، من الجانب الأخر بعد ثلاث دقائق أرسل النمساوي هانز كرانكل من الجناح الأيمن، تمريرة من 40 ياردة بخارج القدم إلى الدفاع.

في الدقيقة 77 بيرند كراوس يخترق منطقة الجزاء الألمانية قبل أن يترك الكرة طواعية لتدخل هانز بيرجل لكي لا ترسل ألمانيا خارج البطولة.

بعد مرور الزمن أشار "هذا عار علينا، وسيبقى يلاحقنا طوال حياتنا" أشار بيتر بريجل المدافع الأيمن لمنتخب ألمانيا الغربية أن هدف المباراة المبكر وضع النمسا تحت خيارين وهو قبول الهزيمة بنفس النتيجة أو تحمل نتيجة ثقيلة والخروج المبكر ولكنهم وضعوا التأهل نصب أعينهم والابتعاد عن خسارة ثقيلة.

"إلى الخارج إلى الخارج" الحاضرون بكافة انتماءاتهم في المباراة قد أرتابوا في الأمر ذلك بالتأكيد ولوح قسم كبير من المشجعين الجزائريين في الملعب بالأموال بينما أشعل أحد المشجعين الألمان علم بلاده عندما ذهبت مجموعة من المشجعين من ألمانيا الغربية إلى فندق الفريق لتوضيح تفسيرهم للعبة، قام اللاعبون برميهم بالعبوات المائية من شرفات فندق الإقامة.

روبرت سيجر، الذي كان يقوم باللعب عن طريق التلفزيون النمساوي والذي أعلن بعدها أن بعض اللاعبين حاولوا إقالته طالب المشاهدين في المنزل بتغيير القناة معلقا "لا شيء عن الجزء الأخير من اللعبة".

وقال المعلق الألماني إيبرهارد ستانيك: "ما يحدث هنا مشين وليس له علاقة بكرة القدم. يمكنك أن تقول ما تريد، لكن ليس كل نهاية تبرر كل الوسائل" كما أعرب هيو جونز من آي تي ​​في عن اشمئزازه معلقا "من أكثر المباريات الدولية المشينة التي رأيتها في حياتي يجب أن يشطب جميع اللاعبين الموجودين في المباراة لجلبهم اللعبة إلى سمعة سيئة".

تعرضت ألمانيا الغربية للنقد الشنيع من خلال صحافتها الخاصة وأبرزها صحيفة بيلد الألمانية التي عنونت عقب المباراة "عار عليكم!" كما وصفت الصحف النمساوية والإسبانية بـ"انشلوس"، في إشارة إلى المعركة الهزلية التي ضمت فيها ألمانيا النازية النمسا إليها عام 1938 كما عنونت أحد الصحف الهولندية بأنها مباراة إباحية.

ضد مجهول

بعد المباراة مباشرة لم يقبل أي من اللاعبين لتلك الإتهامات مما دفع للاعب الألماني الأسبق ويلي شولز وصفهم برجال العصابات كما بدا مدرب منتخب النمسا جورج شميدت خجولا واصفا الأمر بالمشين أما ديروال رفض التعليق على تلك الإتهامات بعد المباراة قائلا "كنا نريد أن نتأهل، لا أن نلعب كرة القدم" تلك الإتهامات إهانة خطيرة جدا من الجانب الجزائري.

من المؤكد أنه يبدو من الآمن أن نستنتج إلى أنه لم يكن هناك اتفاق رسمي لكن الدقائق العشر الأخيرة فاقت الوصف أشبه بأسلوب ركن الحافلة الخاص بفريقين يقودهما جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي.

أعطت النتيجة معنى جديدا تماما للفوز المشبوه من جانبه علق نجم الفريق لوثر ماتيوس بالقول: "لقد نجحنا، هذا هو المهم".

من الجانب النمساوي أعرب اللاعب كرانكل أن المهم هو الصعود لا يهم كل تلك الإشاعات من كل هذا لم يكن شيئا وسط تهكم هانز تشاك، رئيس البعثة النمساوية وقال "بالطبع لعبت مباراة اليوم بشكل تكتيكي".

"ولكن إذا كان هناك 10000 من أبناء الصحراء هنا في الملعب فإنهم يريدون إثارة فضيحة بسبب هذا الأمر سيظهر فقط أن لديهم عدد قليل جدا من المدارس يخرج بعض الشيوخ من واحة ، ويسمح لهم بالحصول على شم من كأس العالم بعد 300 عام ، ويعتقد أنه يحق له فتح أبوابه لهم".

أما عن الجانب الجزائري وصف رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم الحاج سقال المباراة بأنها "مؤامرة شريرة" وطالب الفيفا بالتحقيق في النتيجة وقال هيرمان نويبيرجر، نائب رئيس الفيفا، إنه لا يتوقع اتخاذ أي إجراء ضد أي من الفريقين "لا توجد قواعد الفيفا التي تقول الفرق لا يمكن اللعب كما يشاؤون".

وقال نويبيرجر، وهو أيضا رئيس اتحاد كرة القدم في ألمانيا الغربية "لا يمكن للفيفا فرض عقوبات على فريق إذا لم يقاتلوا بشكل صحيح".

اجتماع مطول دام ثلاث ساعات ونصف الساعة حول هذا الموضوع لم يقدم دليلا على عدم الشرعية وبدلا من ذلك قاموا بتغيير القواعد بأن تلعب المباراتين الأخيرتين في كل مجموعة بكأس العالم بنفس التوقيت منعا للتلاعب بالنتائج، وهو الأمر الذي لا زال يطبق حتى الآن.

من جانبه كانت ردود المنتخب الجزائري تعبر عن الفخر حيث صرح الظهير الأيمن شعبان مرزقاني "نحن لم نكن غاضبين، كنا بارعين" من جانبه عبر الأخضر بلومي أن هذا يعني أن الجزائر تركت علامة لا تمحى على تاريخ كرة القدم "رؤية قوتين كبيرتين تحطمان أنفسهما من أجل القضاء علينا كان بمثابة تكريم للجزائر صعدوا بمزيد من العار وخرجنا برؤوس مرفوعة".

اعترافات

الحارس الألماني هارالد شوماخر كان قد صرح إبان زيارته للجزائر عام 2008 "خجلت من نفسي بعد مهزلة لقاء النمسا والإتفاق على التأهل سويا للدور الثاني، واليوم وجب منا تقديم الاعتذارات لمنتخب الجزائر، ولكل الجزائريين لأنّ ما فعلناه غير لائق".

"لو عادت بنا عجلة التاريخ إلى الخلف فلن نكرر هذا السيناريو المخجل كانت هناك فضيحة في ملعب خيخون جماهير ملعب خيخون لم نحتمل صافرات الإستهجان والرايات البيضاء كان مشهدا مؤثرا ووضع مخزي أمام أنفسنا".. أولي شتيلكه مدافع المنتخب الألماني آنذاك.

كما صرح لاعب الوسط هانز مولر في وقت سابق أنه حان الوقت لإراحة ضميره معترفا أنهم تورطوا في مؤامرة منافية للأخلاق الرياضية.

لعل أبرز ما أزاح قليلا من الغضب الجزائري خسارة منتخب ألمانيا الغربية في النهائي على ملعب سانتياجو برنابيو بالعاصمة مدريد أمام المنتخب الإيطالي بثلاثة أهداف لهدف وحسرة رفاق رومينيجه الذي ربما تظل صافرات استهجان 40 ألف متفرج بخيخون عالقة في أذهانهم.

تذكر قصص أخرى منسية في المونديال

التعليقات