شعوب المونديال - البرازيل 2014.. حينما تجبرك "أكبر سرقة في التاريخ" على ارتداء قميص الأرجنتين

الأربعاء، 09 مايو 2018 - 17:02

كتب : لؤي هشام

شعوب المونديال - البرازيل 2014

مهرجانات وفلوكولورات شعبية تجوب الشوارع.. مظاهر الفرحة والاحتفال تعم الأرجاء.. ومشهد من التوحد بين كافة الأطياف خلف راية واحدة، فترة تشهد إعلاءً للقيم والشعارات الوطنية لتتصدر تلك الصور المبهجة المشهد في حياة هذه الشعوب.

ولكن خلف تلك الصورة الزاهية كانت هناك صورة أكثر واقعية وبالتالي أكثر قتامة، صورة حملت معاناتهم وآلامهم والثمن الذي دفعوه في سبيل رغبة أنظمتهم في تجميل الوجه وتصدير صورة بكل بساطة تحمل الكثير من التضليل.. ثمن لم يكن يوما باخسا.

"شعوب المونديال" سلسلة يقدمها FilGoal.com تهتم بالجانب الإنساني لحياة هذه الشعوب التي استضافت الحدث العالمي ودفعت ثمنا باهظا من المعاناة على كافة الأصعدة في سبيل إخفاء الحقيقة فقط ولا شيء غيرها.

شعوب المونديال - حين اختلطت صرخات الفرح والألم معا في عهد خونتا الأرجنتين

شعوب المونديال - فاشية موسوليني التي صنعت من معاناة الطليان مهمة وطنية وفخرا زائفا

شعوب المونديال - المكسيك 1970.. تأثير مذبحة وتغيير سياسي عقب البطولة

56 عاما مضت.. تطلعات مختلفة وسخط في الشوارع

ستة وخمسون عاما مضت على تنظيم البرازيل لمونديال 50، وفي 2014 تعود البطولة الأبرز في عالم كرة القدم إلى الأراضي اللاتينية مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت التطلعات مختلفة والسخط أكبر من أي وقت مضى.

في مونديال 50 أتى قرار استضافة البطولة بالتزامن مع سعي الدولة للعودة إلى الواجهة العالمية مجددا في ظل تطور ملحوظ على الصعيدين السياسي والاقتصادي، أو كما شرحنا في نسخة تلك البطولة "حلم التحول إلى دولة عظيمة كان يداعب الجميع قبل أن ينتهي على كابوس الماراكانا أمام أوروجواي".

تفاصيل أكثر.. شعوب المونديال - البرازيل 1950.. حلم التحول إلى دولة عظيمة انتهى على كابوس الماراكانا

ولكن في مونديال 2014 كان الوضع مختلفا والاحتجاجات التي تصاعدت مع مرور الوقت لم تكن نتاج الإنفاق الكبير على البطولة فقط بل سبقتها بعام تقريبا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالتزامن مع تنظيم كأس للعالم للقارات 2013.

Brazil protests

البداية من كأس القارات.. ارتفاع مستويات الفساد

بداية كأس القارات كان فرصة مثالية للعديد من المحتجين لتسليط الضوء على معاناتهم التي تزايدت مع قرار الحكومة بزيادة أسعار تذاكر الحافلات والمترو والقطارات في بعض المدن البرازيلية أو كما لخص المحامي الحقوقي مارسيلو فيللا ببساطة لدويتشه فيله "المتظاهرون غاضبون من ارتفاع تكاليف الحياة، وتفشي الفساد وسوء الإدارة".

تصاعدت الحركة الاحتجاجية مع مرور الوقت وأصبحت المظاهرات الأضخم منذ مظاهرات 1992 ضد رئيس البلاد في ذلك الوقت فيرناندو كيلور ميلو. في 20 يونيو سقط أول قتيل بعد دهسه من قبل سيارة مدنية، وعدد المتظاهرين بلغ 800 ألف لتضطر رئيسة البلاد ديلما روسيف لإلغاء زيارتها إلى اليابان.

في الـ22 من يونيو تصاعدت وتيرة الاحتجاجت حينما حاول ما يقرب من 70 ألف متظاهر اختراق الطوق الأمني حول ملعب مينيراو الذي تقام فيه مباراة البرازيل وإيطاليا لتضطر الشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع ويحدث اشتباكات بين الطرفين، وحينها قررت الرئيسة ديلما روسيف التدخل بنفسها.

Brazil protests

ألقت روسيف خطابا متلفزا أكدت فيه وضع ميثاق لتحسين الخدمات العامة، وقالت إن حكومتها تستمع للأصوات الديمقراطية المطالبة بالتغيير، كما أشارت إلى أنها لن تسمح بأن تلطخ أقلية عنيفة ومستبدة حركة ديمقراطية وسلمية، من خلال تدمير التراث العام والخاص كما أعلنت أنها ستقابل قادة الاحتجاجات.

بعدها بيومين اقترحت روسيف إجراء استفتاء عام لتشكيل جميعة تأسيسية بغرض "الإصلاح السياسي" قبل أن يواصل المتظاهرون اعتراضاتهم بالقرب من نفس الملعب أثناء مواجهة السيليساو وأوروجواي في نصف النهائي بالسادس والعشرين من يونيو، ثم هدأت الأوضاع كثيرا بعد هذه القرارات.

"صحيح أن النمو الاقتصادي الذي عرفته البلاد خلال الـ 15عاما الماضية جعل جزءا كبيرا من البرازيليين يخرجون من دائرة الفقر، كما أن مظاهر الجوع انقرضت تقريبا، إضافة إلى تدني مسوى البطالة إلى أقل من 6 في المائة. إلا أن مستويات التضخم المرتفعة تقض مضجع الناس. فأسعار المواد الغذائية قريبة من الأسعار المعمول بها في ألمانيا، بل وأعلى منها أحيانا، إذ يجب دفع أربعة يورو مقابل كيلوجرام واحد من الطماطم

ويشبه بعض المراقبين الحركة بالتظاهرات الأخيرة التي هزت تركيا أو حتى ثورات "الربيع العربي". وتحول غضب البرازيليين إلى موجة من السخط انتشرت كالنار في الهشيم بجميع أنحاء البلاد. كم أن هناك حالة من عدم الرضا المتزايد من جانب الشعب تجاه السياسيين، الذين يحملهم المتظاهرون المسؤولية عن تراجع النمو الاقتصادي وتراجع مستوى الخدمات العامة في بلد يستثمر ملايين الدولارات في بناء استادات ومرافق أخرى للمونديال".. كان هذا من تقرير دويتشه فيله عن الاحتجاجات.

المونديال وعودة الاحتجاجات إلى الشارع

Brazil protests

أقل من شهر الآن متبقي على بداية البطولة، ونحن تحديدا في الخامس عشر من شهر مايو.. كان ذلك موعد عودة الاحتجاجات إلى الشارع مجددا بعدما أحس بعضهم أن إجراءات التغيير لم تكن سوى محاولة لتهدئة الأجواء. وعدد المتظاهرين في الشوارع لم يكن بنفس الكثافة التي سبقته من قبل.

تواجدت التظاهرات في 18 مدينة ولكن أعنفها وأكبرها في ساوباولو إذ حطم المتظاهرون عددا من المحال والبنوك واستخدمت الشرطة كالعادة الغاز المسيل للدموع لتفريق الجموع، والبداية كانت من حركة عمال بلا مأوى.

قطع أفراد هذه الحركة عددا من الطرق في ساوباولو، ونظم عدد آخر - بلغ 4 آلاف - مسيرة نحو ملعب أرينا ساوباولو حيث تقام المباراة الافتتاحية يوم 12 يونيو والاتهامات للحكومة كانت إنفاق الكثير من الأموال على بناء الملاعب رغم عدم إيجاد مسكن لأصحاب الدخل المنخفض.

"كأس العالم لم يفعل شيئا لمساعدتنا لذا قررنا استخدامه كمنصة لإعلاء أصواتنا" هكا قالت ديانا أحد المتظاهرين لشبكة CNN، والمتظاهرون رفعوا لافتات "فيفا عد إلى منزلك" و"كأس العالم بدون أناس يعني أننا عدنا إلى الشارع مجددا".

في نفس التوقيت تقريبا كان ما يقرب من 5 آلاف مدرس ينظمون مسيرة للمطالبة برفع الأجور، فيما نظم بعض عمال المطارات إضرابا عن العمل للمطالبة بالحصول على مكافآت زيادة رحلات الطيران مع اقتراب بدء البطولة.

خلفيات اقتصادية

كان الاقتصادي البرازيلي قد بدأ في الازدهار خلال بداية الألفية ولكن خلال أخر 3 سنوات قبل بداية البطولة كان معدل النمو يتباطء، وسوق الأسهم أصبح أضعف من أي وقت كما أدى التضخم إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

وفي وسط كل ذلك كانت الحكومة تعلن إنفاق ما يزيد عن 11 مليار دولار في مقابل الاستعداد لتنظيم الحدث العالمي رغم أن الحكومة نفسها هي من أعلنت توقعها أن تصل الأرباح إلى 3 مليار دولار مع قدوم 3.7 مليون سائح.

البنك الدولي أعلن أن 16% من البرازيليين يعيشون في فقر وأزمة الأفراد الذي يعيشون بلا سكن حقيقي كانت في تزايد. في دراسة أجراها معهد بيو للأبحاث في نفس عام المونديال كان 72% من البرازيليين غير راضين عما تمر به بلادهم في الوقت الحالي.

كانت النسبة 55% قبلها بعام، وعُد ذلك مؤشر واضح على عدم الرضا الاجتماعي. 6 من كل 10 برازيليين أعتقدوا أن استضافة كأس العالم حدث سيء لبلادهم، والسبب أن تلك الأموال المنفقة أثرت على دعم القطاع الصحي والتعليمي والخدمي.

قبل بداية البطولة بعدة أيام كان قد بلغ عدد المتوفين في الأحداث 10 أشخاص إضافة إلى 650 معتقلا.

Brazil protests

الآن ساعات فقط على بداية البطولة وإن كنت تظن أن الأمر سيتوقف عند هذا الحد فأنت مخطئ.. لن تمر مرور الكرام.

"كأس العالم هذا ليس لنا وللبرازيل إنه للسائحين فقط" هكذا يقول دينيس أدريانا فيريرا أحد المتظاهرين لصحيفة جارديان وهو رافعا لافتة "كأس العالم للفساد".

ويضيف فيريرا "كأس العالم يسرق المال من صحتنا وتعليمنا وفقرنا، المشردون أجبروهم على عدم التواجد في الشوارع، هذه ليست البرازيل".

وتواصل جارديان التعرف على مطالب المتظاهرين إذ ألتقت مع أندريه دي ماجلياس الذي كان يرتدي قميص المنتخب الأرجنتيني، ووضح السبب للصحيفة: "لطالما دعمت البرازيل ولكن هذه المرة الأمر لا يستحق.. البرازيل لم يكن يجب أن تستضيف البطولة. فيفا يُفضل دائما اختيار أكثر الدول الفاسدة".

فيما أعرب أحد عمال أكشاك الصحف عن غضبه "أرفض تشجيع البرازيل، هذه البلد معتوهة، سأشجع إنجلترا بدلا منها".

Brazil protests

الأعداد لم تكن كبيرة بنفس الدرجة ولكن ما زاد هو مستوى العنف إذ تواجدت مجموعة من الحركات الأناركية ووقع الاشتباك كالعادة مع الشرطة.

"حتى لو لم نحاول سوف تسقط هذه الحكومة" كانت تلك إحدى الهتافات في التظاهرات

روسيف حاولت تبرير موقف حكومتها وأكدت أن تلك الإنفاقات سوف تساهم في تحسين البنية التحتية والاستفادة منها لاحقا، فيما كان موقف سيب بلاتر رئيس فيفا وقتها واضحا "لن يتسبب بعض من عدم الرضا في التأثير على البطولة".

تصاعدت حدة الاشتباكات قبل بداية المباراة، وفي النهاية انتصر السيليساو 3-1 على كرواتيا، وبينما يحتفل المشجعون داخل الملعب كانت الأمور على النقيض تمام خارجه، والصور تشرح.

World cup riots: A teenager has been killed and 12 others injured as ongoing protests against in Brazil turned violent after another night of demonstrations in more than 100 cities.

في النهاية وإن لم تنجح احتجاجات المتظاهرين في تغيير الكثير من الأوضاع إلا أنها كشفت الوجه القبيح للنظام والكرة في آن واحد.. و"أكبر سرقة في التاريخ" كما وصفها النجم البرازيلي السابق روماريو صنعت اهتماما دوليا بما يمر به فقراء البرازيل.

والجدارية تحكي عن كل شيء...

قصص أخرى من المونديال طالعها من هنا

التعليقات