معذرة.. أي أبراهام كلاين تقصد؟ عن تقاطع طرق مصرية إسرائيلية في كأس العالم

الإثنين، 26 فبراير 2018 - 12:58

كتب : مصطفى عصام

أبراهام كلاين

"معذرة سيدي، أي أبراهام كلاين تقصد؟ هناك خلط ببعض الأسماء بالتأكيد، أقرأ ديوانا بالشعر لنفس أبراهام كلاين المقارب لسن الستين أهدته لي زوجتي بمناسبة زوجية لا تترك لي سوى الندم، والأن أنت تحتال علي بأنك مجرد حكم كرة قدم شاب ذاهب لكأس العالم في بداية الثلاثينات".

رد أبراهام مستعينا برباطة جأشه: "لست أبراهام كلاين ذلك اليهودي الأمريكي عالم الفيزياء المتخصص بالطاقة النووية وصاحب الأبيات في ميكانيكا الكم. وبالتأكيد لست مسؤولا عن كلمات منمقة بلكنة كندية بكتاب ممقوت أهدته لك زوجتك عن الشاعر أبراهام كلاين، أنا أبراهام كلاين حكم كرة القدم، مولود في مدينة تيميشوارا الرومانية عام 1934 قبل أن أهرب إلى أرض الميعاد، هل تسمع عن بلد يسمى إسرائيل؟".

حوارا قد يبدو تخيليا تم بمطار تورونتو بكندا ترانزيت رحلته القادمة من مطار ديفيد بن جوريون بالأراضي المحتلة والمتجهة للمكسيك قبيل صيف 1970 للمشاركة لأول مرة بكأس العالم بالمكسيك، لم يكن مر أكثر من 18 سنة على الاعتراف القطعي من الحكومة المكسيكية بالدولة الجديدة.

جوادالاخارا .. قصاصات البلاكار قابلة للحرق

السيد المجهول: "تهانينا لك سيد كلاين، كنت أحد أشد الطلاب انتباها بمحاضرات التحكيم واختبارات القياسات البدنية، الرجل الأبيض الأوروبي أبدى امتعاضه من ارتفاع درجات الحرارة صوب الأربعين مئوية وكأس العالم سيقام جهارا نهارا كحفلات الشواء، ستتولى مباراة البطل إنجلترا عام 1966 أمام البطل الجريح (البرازيل) أعوام 1958 و1962.. لأول مرة ستشاهد الملك بيليه وتستطيع لمسه وتعنيفه قبيل قراراتك وقفزات بانكس بالعرض المسرحي المباشر، ولأول مرة سيتمكن أهلك برومانيا من رؤيتك بأول كأس عالم بالألوان السينمائية.. أول كأس عالم ملون، هذا سيجلب لبلــ..!"

كلاين: "معذرة لي على مقاطعتك يا سيدي، قبل أن تكمل اسم بلادي ثانية، أجدادي فقط هم من رومانيا، أنا مواطن إسرائيلي أدفع الضرائب بانتظام، أهذا كاف لأن يجلب لبلدي حيفا الفخر قبل أصولي بتيمشيوارا".

السيد المجهول: "افتخارك بانتسابك قبل أصولك سيسبب لك أزمات، بالمناسبة، في مباراة البرازيل وإنجلترا سيشاهدك العالم أجمع إلا التلفزيونات والإذاعات العربية فقد قررت مقاطعة المباراة، الفريق العربي الوحيد قدم لي طلبا صارما بعدم إسناد أي مباراة لك معهم، لو كنت شريرا فحسب لجعلتك تدير مباراة المغرب وألمانيا الغربية بمدينة ليون على ملعب كامب نو، فريق لا يعترف بك ويراك عديم الأهلية ونصف فريق أخر سبب لك آلاما وأنت صغيرا".

كلاين: "هل تعرف من يحدق بنا على بعد 200 متر بدائرة المنتصف، تابعت تركيزه معي في المحاضرات والحصص التأهيلية".

السيد المجهول: "يمكنك أن تبدأ بتصفح أعداد صحيفة البلاكار الصادرة عن البطولة، أحتفظ بالأعداد التذكارية عنها فربما ستكون المشاركة الوحيدة لإسرائيل بكأس العالم، أما في الصفحة التي تحوي صورتك، فتأمل بقية الصور جيدا وستدرك نظرة القاصي".

الـ Placar مثلها مثل الـ El-Grafico، صحف توقفت عن الطبعة الورقية لتتحول نحو الأرشيف الإلكتروني الذي لا يسع كثيرا للأعداد ما قبل الثلاثين عاما، ستكون ذكرى سعيدة لأبراهام الذي يبلغ حاليا الرابعة والثمانين من عمره وكرمته الفيفا مؤخرا بوضع صوره في متحف الفيفا بأكتوبر 2017، ربما دأب حين احتفاظه بمجلات البلاكار أن يرسم دائرة حول اسمه وصورته، ويقص صورة القاصي الذي تتبعته نظراته بدائرة المنتصف والمحاضرات.

صورة الحكم المصري علي قنديل، أدار مباراة واحدة فقط للبلد المستضيف أمام السلفادور على صرح الأزتيك العريق، وفاز أصحاب الأرض برباعية نظيفة يوم 7 يونيو عام 1970 في بعد يومين من الذكرى الثالثة لنكسة عام 1967، ويومين أيضا من قبول مبادرة رودجرز التي نصت على هدنة 90 يوم بين الطرفين المصري والإسرائيلي بعد عمليات حرب الاستنزاف ويومين من رفض الحكم المصري إلقاء التحية على كلاين في مطار جوادالاخارا.

أبراهام كلاين في حديثه لموقع الفيفا: "قضيت حوالي أسبوعين بجوادالاخارا وقبلها كنت أتسلق الجبال بتل أبيب حتى أرفع لياقتي البدنية وأتعود على التنفس في بلاد ما فوق مستوى سطح البحر وفعلتها مجددا قبيل تحكيمي ببيونيس أيرس 1978، كنت أتقاضى على المباراة عشرة جنيهات إسترليني، لو طلبوا مني أن أدفع مليون دولار لأحكم مباراة لبيليه وأراه وجها لوجه لأخرجت دفتر شيكاتي فورا".

"قضيت أربع أيام أجمع شرائط دراسة لعب فريقي إنجلترا والبرازيل، وانتظرت لعبة محددة أثق أن بيليه سيفعلها بالمباراة، وبالفعل انطلق بيليه نحو منطقة الجزاء وركل كعب قدمه الأيسر بالقرب من المدافع آلان موليري، وبمجرد سقوطه نظر إلي".

"دفعت 100 دولار لمصور خصيصا ليلتقط لي كوادر مختلفة بالملعب، وقتها أحسست بأني بطل أوحد للصورة، نظرت لبيليه بغضب واندفعت فيه بقول:

سأعطيك إنذارا لانك لم تركل كعبك الأيسر بصورة بارعة كما فعلت مع سانتوس أمام ناسيونال، أنت مدين باعتذار لي لرفع العقوبة عنك".

تفوه بيليه في بلكنة إنجليزية متلعثمة: "اعتذر لك سيدي".. كان أفضل قرار بحياتي، أحتفظ بصور اللقاء حتى الأن، كان ينقصني صورة فقط أمام تصدي جوردون بانكس.

فتي أمريكي يافع يذهب للكشافة بفيتنام

أتبع روب سمايث تدوينته المطولة على موقع جارديان: "تيميشوارا هي أجمل مدن رومانيا، فيها قضى كلاين قضيته حتى هروبه بالقطار نحو هولندا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية خوفا من حرب يدفع يهودي الديانة ثمنها، قضى جزءا من حياته بهولندا قبل ترحاله للوطن الجديد بإسرائيل.

مؤخرا منذ عام 1990 بدأ اليويفا الاعتراف بإسرائيل كأحد أعضائه، وعين كلاين كمراقب للمباريات، عرض عليه أكثر من مرة أن يراقب مباريات بمدينته القديمة بدوري أبطال أوروبا إلا أنه رفض بشدة، جزء من الماضي يحاول محوه، المكان الوحيد الذي أحس فيه بالضآلة".

كان مقررا لأبراهام أن يذهب ليحكم مباريات بكأس العالم في ألمانيا الغربية عام 1974، ولكنه لم يتخط للتو آثار الأزمة النفسية التي عان منها حين سافر لميونيخ عام 1972 قبل أن ينسحب مع البعثة الإسرائيلية بعد قتل مجموعة من الرياضيين فور اتخاذهم كرهائن، ولكنه أبلى بلاءا حسنا في دورة مونتريال عام 1976 بالإضافة لسابق ذيع شهرته من كأس العالم 1970 وكأس العالم المصغر عام 1972، فاختير على أوائل الحكام الذاهبين لبيونيس أيرس 1978، حيث سيصل لأوج مجده.

أبراهام: "بإسرائيل كنت أحكم مباريات لم تتخط 10 آلاف متفرج، ربما إنذار غارة كاذب يتسبب في إفراغ الملعب بعشر دقائق وإنهاء المباراة، أما في أولى مبارياتي بكأس العالم 1978 للأرجنتين أمام إيطاليا نحو صدارة المجموعة بملعب المومينتال ربما تخطى الحضور 90 ألف متفرج، حين وقفت بدائرة المنتصف وسط الهتافات أحسست بأني ضئيل للغاية".

"قبيل نهاية الشوط الأول لم أحتسب ركلة جزاء للأرجنتين، ثارت الجماهير حولي وبدأت بترديد هتافات ضدي وضد إسرائيل، ازددت صلابة وأشرت باستكمال اللعب وبالطبع كنت فهم همهمات لاعبي الأرجنتين فمجلة جرافيكو كانت مدخلي المفضل في اللغة اللاتينية".

"في غرفة الملابس أخذت أفكر كيف أتغلب على الجمهور، وجدت إنها فكرة حمقاء، لن أقف بمفردي لخمس دقائق انتظر دخول لاعبي الأرجنتين وإيطاليا لدائرة المنتصف لبدء الشوط الثاني، فقررت الخروج مع لاعبي الأرجنتين من الممر نحو التصفيق معهم من قبل الجمهور، أذكى حيلة قمت بها على الإطلاق".

"مؤخرا فازت إيطاليا بهدف روبرتو بالتيجا، وقمت بتحكيم مباراة ألمانيا الغربية مع النمسا، امتلك ذكريات سيئة كطفل مع ألمانيا، نحيت كل هذا جانبا ولكن سير المباراة جعل النمسا تفجر مفاجأة البطولة وتفز بثلاثة أهداف لهدفين، وقتها صرخ رومينجيه بعنف نحوي محملا لي نتيجة المباراة".

"ولكن كيف اتسبب في خروج ألمانيا، ويختارني الفيفا لتحكيم المباراة النهائية بين هولندا والأرجنتين، ولكن اعترض الجانب الأرجنتيني بسبب أحداث مباراة الدور الأول، وبسبب العلاقات الثرية بين هولندا وإسرائيل وسوء مثيلها مع البلد المستضيف، فأسندوا لي بديلا مباراة الثالث والرابع بين البرازيل وإيطاليا".

"حكمت لمختلف البلاد التي تعارضت سياسة دولتي معها، حكمت لبلاد شيوعية لم أحلم أن أدخلها لأنها تمنع تواجد الإسرائيليين بها، ولم أنتقص من حق فريق عن عمد يوما".

نهاية المطاف، فلتحصلوا على قمصان أفضل للبرازيل

في مصر، كل شيء يوحي بصيف 1982 أن البرازيل تستحق كل التعاطف بعروضها المذهلة، وإيطاليا فريق مقيت يتولاه شخص سليط اللسان.

إنزو بيرزوت المدير الفني لإيطاليا تلتقط له الكاميرات مطاردته لصحفي مصري حاول أن يقتحم خلوته بحديقة الفندق لأخذ سبق سيجعله يفتخر به طوال عمره، بل ويتسبب أيضا في إقصاء الكاميرون من الدور الأول، التي قدمت أداءا استحق دون شك أن تستكمل مشوارها.

أما الحلم الثالث المتكسر، أن مباراة البرازيل وإيطاليا المقام ببرشلونة عام 1982 ستنقل على الإذاعات المصرية، لا غضاضة على المستوى الرسمي بين حكومات مصر وإسرائيل بعد زيارة السادات للقدس والاعتراف بها، بالطبع خمنتم أن حكم اللقاء هو الإسرائيلي أبراهام كلاين، لن يحرم الجمهور مثلما حرم من 12 عاما من مباراة إنجلترا والبرازيل.

"دون شك هي أفضل مباراة في تاريخ كأس العالم، في ثلاث مرات يذهب باولو روسي للشباك وتذهب يدي صوب دائرة المنتصف، وفي مرتين ذهب سوكراتيس وفالكاو لدينو زوف وفي المرة الثالثة عن دون قصد منعت أنا زيكو من الذهاب للمرة الثالثة ولم أطرد كلاوديو جينتيلي".

تغاضى أبراهام عن ركلة جزاء مستحقة لزيكو بعد خشونة واضحة للقذافي (لقب جنتيلي ذو الشعر الأكرت) معه لدرجة استوجبت قطع بقميص زيكو أشار به نحو أبراهام ولكنه أوصى باستكمال اللعب، أما كابريني لاعب إيطاليا فوجه كلمات ساخرة لزيكو يوصيه بأن يتعاقدوا مع شركة قمصان أفضل.

أبراهام لموقع الفيفا: "أرى إنها أفضل مباراة قدمتها بكؤوس العالم، وشفعت لي بأن أكون حكم راية بنهائي كأس العالم 1982، أما العالم أجمعه رأى أني أسوأ حكم رأوه في كرة القدم لاني تساهلت مع خشونة الإيطاليين وتغاضيت عن طرد جنتيلي وركلة جزاء زيكو، بعد أكثر من 35 عام أن أجد جنتيلي وزيكو بصورة واحدة كأصدقاء، أنا رجل طاعن في السن ولا استمتع سوى بجوائزي".

التعليقات