كتب : فادي أشرف | الجمعة، 21 أبريل 2017 - 00:08

كيف أصبح الاستحواذ رقما على هامش الخسارة

كيف أصبح الاستحواذ رقما على هامش الخسارة

القاعدة العامة تقول إن طالما الكرة بحوزة فريقك، لن تستقبل أهداف.

هذا ما عهدناه من كرة القدم على الأقل في العشر سنوات الأخيرة، لكن هذا الأمر يتغير.

الأرقام تتحدث (1)

لكن يبدو الأمر في تغير، في مباريات إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لم يفز الفريق الأكثر استحواذا بالمباراة. الفريق الأكثر استحواذا على الكرة من المتأهلين لنصف النهائي كان ريال مدريد بـ47%، بينما لم يحصل موناكو أو يوفنتوس على أكثر من 40% من الاستحواذ.

الأمر نفسه كان في مباريات الذهاب، يكفي أن تعلم أن موناكو فاز على دورتموند ذهابا 3-2 بـ31% فقط من الاستحواذ، بينما سجل يوفنتوس ثلاثية في برشلونة بـ32% فقط من الاستحواذ.

هل تعلم أن يوفنتوس سدد 4 كرات على مرمى برشلونة بـ35% من الاستحواذ.. بينما لم يسدد برشلونة سوى كرة واحدة على جيانلويجي بوفون بـ65% من الاستحواذ وهو في حاجة لـ3 أهداف على الأقل؟

جوس هيدينك، أحد الأبناء الضالين لفلسفة الكرة الهولندية المعتمدة على الاستحواذ بشكل أساسي، تحدث من قبل عن أحد رواد هذه الفلسفة لويس فان جال مشددا على الفارق بينهما، أو بالأحرى الفارق بين مدرسة التمرير المباشر ومدرسة الاستحواذ: "كنا ننظر إلى الاستحواذ، حصلنا على 65% أو 70% منه، لكننا كنا نواجه بعض الفرق التي تفوز علينا رغم ذلك".

ويضيف هيدينك في تصريحات لـ"فور فور تو": "لهذا علينا ألا نبالغ في النظر في نسبة الاستحواذ، الأهم هو ما تفعله بهذا الاستحواذ. الفرق الآن تريد أن تستحوذ على الكرة لكن ماذا بعد؟".

Image result for guus hiddink louis van gaal

في يونيو 2008، حدث أمرين هامين.

الأول هو تعيين بيب جوارديولا مدربا لبرشلونة، الثاني هو فوز إسبانيا ببطولة الأمم الأوروبية.

Image result for pep guardiola barcelona appointment

ما حدث بعد ذلك كان فترة سيطرة تامة لبرشلونة وإسبانيا على الكرة في أوروبا والعالم، بنسب استحواذ لم تراها شاشات التلفاز من قبل وبطريقة للعب الكرة وصفت حينها بـ"الطريقة الصحيحة للعب كرة القدم".

حدث ذلك بواسطة لاعبين موهوبين بشدة في القدرة على الاحتفاظ بالكرة، والضغط الجماعي للحصول عليها في المرات القليلة التي تضيع فيها. هذه الطريقة واجهت اللاعبين الأقوياء بدنيا التي اعتمد عليها المنافسين المباشرين لبرشلونة وإسبانيا.

منشأ تلك المدرسة، التي من الممكن أن نسميها مجازا "تيكي-تاكا"، رغم أنها تتضمن ما هو أكثر من التمرير الكثيف، كان في كتالونيا، بجذور تعود للأرجنتين وهولندا.

الفكرة – كما يعلم المعظم – بدأت من لا ماسيا، التي استعارت أفكارا من أكاديمية أياكس وأضافت لها نكهة كتالونية في وجود الأسطوري يوهان كرويف.

النتائج في الملعب كانت مبهرة، لدرجة أن الجميع أراد أن ينقلها، ينقلها لا أن يستعيرها بإضافات تعبر عن شخصية هؤلاء من ينقلونها.

استحالة صناعة لا ماسيا دون كرويف

أندية مثل باريس سان جيرمان أنفقت مليارات في محاولة لأن يصبح برشلونة جديد في فرنسا. الأمر نفسه فعله مانشستر سيتي بوجود لاعبين، ومدراء تنفيذيين، ولاعبين إسبان في الأكاديمية، وفي النهاية جوارديولا نفسه بلا نجاح. لكننا هنا سنعود لحالة كان مهيأ لها كل ظروف النجاح إلا أنها فشلت.

فرانك أرنيسين، لاعب كرة دنماركي سابق لعب في معظم مشواره للعملاقين الهولنديين إيندهوفين وأياكس.

مشبعا بتجربته مع العملاقين الهولنديين، اتجه أرنيسين ليصبح مديرا رياضيا في عدد من الأندية قبل أن يستقدمه مالك تشيلسي رومان أبراموفيتش ليصبح مديرا رياضيا لناديه.

Image result for frank arnesen

مهمة أرنيسين كانت واضحة بالنسبة لأبراموفيتش: تحويل كوبهام (المدينة الرياضية لتشيلسي) إلى لا ماسيا.

لكن في الوقت نفسه، كان أمام أرنيسين نفسه مهمة أصعب. أن يتحول هو شخصيا إلى يوهان كرويف.

بين 2005 و2010، لم تعطي التجربة أي نتائج حقيقية على الأرض، والمقصود بذلك هنا عدد لاعبي الأكاديمية الصاعدين للفريق الأول.

محاولة تشيلسي في أن يكون برشلونة جديد فشلت تماما في 2012، موسم كارثي محليا في لندن لكنه انتهى بالحصول على دوري أبطال أوروبا. كيف ذلك؟ تخلى أبراموفيتش عن أحلامه.

تشيلسي عاد لطريقته البراجماتية الشهيرة مع روبرتو دي ماتيو وتسلل رويدا للحصول على دوري الأبطال في موسم محلي أنهوه في المركز السادس.

تلك الطريقة البراجماتية وصفها ريتشارد ويليامز الكاتب في جريدة "جارديان" بأن تشيلسي "لعب بالنصف السفلي فقط من لوحة مفاتيح البيانو"، في كناية لاعتماده التام على الدفاع والضرب بالمرتدات في نصف النهائي الشهير أمام برشلونة في ذلك الموسم.

لنلخص الأمر في فقرة واحدة: أبراموفيتش أعجب بطريقة رومانسية للعب كرة القدم، وعاد للطريقة البراجماتية عندما كان مستقبل مشروعه على المحك.

محاولة نقل برشلونة ولا ماسيا إلى مكان أخر باءت بالفشل الذريع. لكن على بعد 523 كيلومترا من لندن، بالتحديد في دورتموند الألمانية، نجح الأمر لاختلاف طريقة التطبيق.

ما فعله يورجن كلوب.. كيف تتصرف عندما لا تملك ميسي

Image result for danke jurgen

الأمر بسيط. لن يكون متاحا لكل فريق أن يضم لاعبين بخواص سيرخيو بوسكيتس وتشافي وأندريس إنيستا وليونيل ميسي.

يورجن كلوب، المدرب المتألق مع ماينز عرف ذلك، وعندما عينه دورتموند مديرا فنيا للفريق في نفس عام ثورة جوارديولا – 2008 – فعل ما فشل فيه الجميع لإضافته شخصية دورتموند، وشخصيته، على المشروع.

دورتموند كان ناديا على وشك الإفلاس في 2005، وفي عام 2013 كان طرفا في نهائي دوري أبطال أوروبا.

كلوب، وإدارة دورتموند، قادا النادي للتعافي والتحول إلى طرف فعال في الكرة الأوروبية باستراتيجية نقلت استحواذ برشلونة مدعوما بكرة هجومية تعتمد على التمرير المباشر والسريع في وسط ملعب المنافس – لتعويض عدم وجود ميسي في دورتموند.

تلك النوعية من الكرة ملأت ملعب سيجنال إيدونا بارك بـ80 ألف مشجعا كل أسبوع. ضغط جوارديولا الجماعي للحصول على الكرة + تمريرات سريعة وهجمات مرتدة لضرب الخصوم.

الأرقام تتحدث (2)

مشروع كلوب ذهب لخليفته توماس توخيل الذي ودع دوري أبطال أوروبا هذا الموسم من دور الثمانية. من أصل 4 فرق ودعت البطولة من دور الثمانية، 3 تأثروا بشدة بجواديولا. دورتموند توخيل وبايرن ميونيخ المتأثر بـ3 سنوات للفيلسوف الإسباني، وبرشلونة نفسه.

بينما جوارديولا نفسه ودع البطولة من دور الـ16 بمانشستر سيتي على يد موناكو بقيادة ليوناردو جارديم، الذي تبلغ متوسط سيطرته على الكرة في مباريات دوري أبطال أوروبا 47% فقط ولكنه سجل 21 هدفا.

في المقابل، مانشستر سيتي في دوري الأبطال لديه متوسط سيطرة على الكرة 55% وسجل 18 هدفا فقط، بينما برشلونة سيطر على الكرة في دوري الأبطال بنسبة 59% وسجل 26 هدفا.

وفي النهاية، موناكو ضمن الأربعة الكبار وسيتي ودع البطولة من دور الـ16 وبرشلونة من دور الثمانية.

كيف أصبح الاستحواذ رقما على هامش الخسارة.. محاولة الوصول لتفسير فني

Image result for sir alex ferguson

الأمر ليس مقتصرا على دوري أبطال أوروبا، منتخب مثل البرتغال فاز بيورو 2016 بمتوسط 52% فقط من الاستحواذ طوال البطولة، في مواجهة منتخبات مثل المجر والنمسا وأيسلندا وبولندا وويلز، أما إسبانيا فودعت من الدور الأول بمتوسط استحواذ 60%.

تلك الأرقام تتكرر في بطولات عديدة وفي كثير من الدوريات الكبرى، كرة زين الدين زيدان الأكثر مباشرة متفوقة ترتيبا على استحواذ برشلونة ولويس إنريكي، بينما تشيلسي يتسيد في إنجلترا بـ53% متوسط استحواذ فقط.

معظم الفرق التي تأتي في خانة الخاسر لهؤلاء الذي اتجهوا للكرة المباشرة ركزوا فقط على جانب الاستحواذ من حلم "جوارديولا – برشلونة 2008".

استعد لقراءة وجهة نظر جدلية للغاية: السيطرة على الكرة والتمرير الكثير أمر رائع، لكن ما صنع الفارق في فريق برشلونة الحلم كان ما يفعله ليونيل ميسي، ولسوء الحظ لن يحصل أي فريق، بما فيهم برشلونة، على نسخة قريبة حتى من ميسي 2008. لماذا لم يحقق جوارديولا نجاحات أوروبية مع بايرن، ولماذا يتذبذب محليا الآن مع مانشستر سيتي؟

جاري نيفيل، مدرب فالنسيا السابق والمحلل الكروي الحالي في شبكة "سكاي" في 2015 يقول: "فلسفة برشلونة أمر خاص بهم، هناك أمور ما منها تحب أن تكون موجودة في فريقك، الضغط من الأمام مثلما كانوا يفعلون مع جوارديولا مثلا".

وأضاف "لكن الاستحواذ للأبد، أمر يصبح غير مفيد. نموذج مثل ذلك يحتاج ميسي لكي ينجح".

أحد مدراء اليويفا الفنيين، إيون لوبيسكو قال في حوار سابق مع "إندبندنت": "الاستحواذ أمر جيد، فقط إن كان لديك تقدم واختراق، إذا كان هناك أمر هام يحدث في الثلث الأخير".

أما سير أليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد الأسبق، وصف الكثير من الاستحواذ بأنها "حذلقة".

أضاف فيرجسون "نرى الكثير من الاستحواذ في الكثير من الفرق، في وسط ملعبها، هذا أمر ليس ممتعا".

ولخص فيرجسون النقطة كلها قائلا: "أول تمريرة للأمام، أول تمريرة سليمة للأمام، التي تسمح للاعب بالانطلاق للأمام لمساندة صاحب الكرة، هي المهمة".

ربما كان هذا السبب في تحول الاستحواذ إلى مجرد رقم لا يؤثر على نتائج المباريات، بل أحيانا يصبح أمرا سلبيا على الحاصل عليه.

من يملك أقوى ثلاثي هجومي في العالم؟ برشلونة؟ هذا الفريق لم يسدد سوى خمس كرات على مرمى بوفون في 180 دقيقة دون تسجيل أي هدف مع أنه في المباراتين حصل – على الأقل – على 65% من الاستحواذ.

في المقابل، سدد يوفنتوس 12 كرة في 180 دقيقة وسجل 3 أهداف.

تلك الأرقام تمحي القاعدة العامة، وتبشر/تنذر بنهاية عصر الاستحواذ والعودة لعصر الكرة المباشرة.

طرق لعب كرة القدم تشبه في تطورها خطوط الموضة، ويبدو أنها الآن في عصر انتقالي أخر مثل 2008، وفترة السيطرة المقبلة تدنو ناحية التمرير المباشر وترك الكرة للفرق التي تطبق "الاستحواذ العقيم"، ذلك المصطلح الذي سنه أرسين فينجر لشرح ذلك الاستحواذ غير المفيد الذي رأيناه من برشلونة مثلا أمام يوفنتوس في 180 دقيقة.

كاتب هذا المقال استعمل العديد من المصادر أثناء الكتابة، أهمها إحصائيات موقعي "سكواوكا" و"Who Scored"، وجريدتي إندبندنت وتليجراف، وموقع These Football Times .

التعليقات