الثورة الفرنسية التي ستغير ملامح الدوري في 2020

السبت، 18 مارس 2017 - 15:13

كتب : علي أبو طبل

موناكو - باريس سان جيرمان

ربما اعتمدت سمعة فرنسا الكروية بشكل أكبر على منتخبها الذي حقق كأس العالم في 1998 ثم أصبح بطلًا لأوروبا بعدها بعامين بقيادة جيل ذهبي ضم زين الدين زيدان وديدييه ديشامب وتيري هنري وليليان تورام وباتريك فييرا وآخرين.

لكن الأندية الفرنسية لم تكن جاذبة أو مثيرة للإهتمام مثلما فعل منتخب الديوك.

لم تكن أندية فرنسا يوما متسيدة على قمة أندية أوروبا. فالغلبة دائما للعمالقة أمثال ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ وميلان وليفربول.

كسر مارسيليا القاعدة في 1993 كونه الفريق الفرنسي الوحيد الذي حمل الكأس ذات الأذنين، وكان موناكو قريبا من تكرارها في 2004، ولكن حلمه قد انكسر على أحجار طموحات "بورتو-مورينيو".

بينما كانت آخر المحاولات الفرنسية للاقتراب من كأس دوري الأبطال في موسم 2009/2010، حين بلغ ليون نصف النهائي.

عدا ذلك، لم تكن فرنسا أكثر من مجرد سوق مميز لبعض المواهب المميزة التي تنتقل لأندية أكبر في أوروبا.

ليون الذي تسيد البطولة الفرنسية من 2002 إلى 2008، لم يتجاوز طموحه ذلك المدى ولم يطمح لإنجاز أوروبي كبير خلال تلك الفترة المميزة في تاريخه.

منذ 2009، اختلفت ملامح اللعبة في فرنسا.

انتشل الاستثمار القطري فريق باريس سان جيرمان من كبوته الكبيرة وتراجعه، ليصبح بطلا لفرنسا لسنوات متلاحقة في الأعوام الـ6 الأخيرة، وتبعه موناكو الذي تراجع في فترة ما إلى الهبوط إلى الدرجة الثانية، قبل أن ينتشله الاستثمار الروسي ويعود به إلى الدرجة الممتازة، بل والعودة إلى الأضواء الأوروبية من جديد بمشروع طموح تختلف تفاصيله بعض الشئ عن مشروع فريق العاصمة.

الكثير من التقارير والتحليلات تمت كتابتها عن استثمارات موناكو وباريس سان جيرمان، ومدى تأثير ذلك على تواجدهم الأوروبي الذي يتصاعد شيئا فشيئا.

عدد من الأندية الفرنسية، بعضها ممن يمتلك تاريخا مميزا، اعلنوا شكواهم علنًا من الاستثمارات في باريس وموناكو والتي تمنح الأفضلية لتلك الأندية.

ولكن في النهاية، يبدو أنهم أدركوا أنهم لن يستطيعوا المجاراة إلا بنفس السلاح، وأنهم قد استسلموا لقواعد كرة القدم الحديثة.

الاستثمار الكروي بدأ يغزو الدوري الفرنسي، وأصبحنا نشاهد ما يشابه "حرب عالمية استثمارية" في أندية فرنسا.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على آخر أبرز تلك الاستثمارات وكيف ستبدو المنافسة في فرنسا خلال المواسم القليلة القادمة سواء على البطولات أو في سوق الانتقالات.

استثمار أمريكي في مارسيليا

في أكتوبر الماضي، تم الإعلان عن أن رجل الأعمال الأمريكي "فرانك ماكورت" سيصبح مالكًا جديدًا لنادي مارسيليا بعدما اقترب من شراء أسهم النادي كاملة من سيدة الأعمال روسية المولد "مارجريتا لويس دريفوس" بمبلغ يقارب الـ 45 مليون يورو.

الكثير من الانتقادات تم توجيهها لمالكة النادي السابقة في المواسم الماضية بسبب الخسائر المادية الكبيرة وتراجع النتائج والطموحات، رغم بداية عهدها بشكل مميز والعودة للتتويج بالدوري الفرنسي في عام 2010.

ولكن مع "ماكورت" المالك السابق لفريق "لوس أنجلوس دودجرز" في رياضة البيسبول بالولايات المتحدة، يبدو أن الأمور ستتغير بدرجة كبيرة في الفترة القادمة.

صحيح أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، تعرض مارسيليا لخسارة كبيرة على ملعبه "فيلودروم" أمام باريس سان جيرمان بنتيجة 1-5، ولكن هذه النتيجة قد لا تعبر عما سيكون عليه الأمر في الموسم القادم.

مارسيليا ما زال في مرحلة التحضير للمشروع الجديد، وأمور عديدة في حاجة للتغيير.

المالك الجديد أعلنها صريحة: "أرغب في تكوين فريق قوي يستطيع منافسة باريس سان جيرمان على المقدمة في الدوري الفرنسي".

تم استقطاب "رودي جارسيا" المدير الفني السابق لنادي روما منذ أكتوبر الماضي، وتغير أسلوب التعاقدات بشكل كبير.

فبعد أن تم الاستغناء في الصيف الماضي عن لاعبين بارزين في الفريق من أجل الاحتياج المادي، وأبرزهم ميشو باتشواي لصالح تشيلسي في صفقة قاربت الـ30 مليون يورو في قيمتها، وفي المقابل كانت أكبر عملية شراء هي استقطاب لاعب الفريق السابق "ريمي كابيلا" من نيوكاسل يونايتد مقابل 8 ملايين يورو.

تغير الأمر تمامًا في انتقالات الشتاء، وأصبحنا نرى مارسيليا يستعيد لاعبه السابق "ديمتري باييت" في صفقة وصلت قيمتها لـ30 مليون يورو، كما تمكن من الحصول على خدمات المخضرم باتريس ايفرا في انتقال مجاني.

الفريق يحتل المركز الخامس في الوقت الحالي في الدوري الفرنسي مع تبقي 9 جولات على النهاية، وأقصى ما يمكن الوصول إليه هو المركز الرابع، وفي الحالتين قد يتواجد في بطولة الدوري الأوروبي في الموسم القادم، وستكون بداية جيدة للمشروع الجديد.

قد تكون تلك مجرد بداية لما ينويه بطل الدوري الفرنسي في 10 مرات سابقة –الأكثر تتويجًا رفقة سانت ايتيان- خلال سوق الانتقالات الصيفي القادم.

"ماكورت" وعد باستثمارات تصل إلى 180 مليون يورو خلال الـ4 سنوات القادمة من أجل منافسة فريق العاصمة رأس برأس.

استثمارات رجل الأعمال الأمريكي قد تكون الأبرز في كرة القدم الفرنسية مؤخرًا، ولكن هل يعلم أنه لن يكون الوحيد؟

مفاجأة نيس

مع بداية الموسم الحالي، ووسط انطلاقة ضعيفة لباريس سان جيرمان وتواجد مميز لموناكو في المنافسة، وجدنا مفاجأة جديدة في ثلاثي المقدمة.

نيس لم يكتفوا بأن يكونوا في ثلاثي المقدمة فقط، بل استمروا متصدرين لجدول المنافسات لفترة ليست بقليلة، وحاليًا يتواجدون في المركز الثالث بفارق 5 نقاط عن المتصدر، موناكو.

لكن هل كان الأمر بالصدفة؟

في يونيو الماضي، أعلن نادي نيس عن استحواذ مجموعة استثمارية صينية-أمريكية على 80% من أسهم النادي، مع بقاء 20% من الأسهم لرئيس النادي الحالي "جين بيير ريفيير" والذي سيستمر في إدارة شؤون النادي لـ3 أعوام تالية.

المجموعة الاستثمارية ضمت كل من "أليكس زهينج" مالك مجموعة فنادق "بلاتينو جروب"، و"شين لي" مؤسس مجموعة "نيو سيتي كابيتال" الاستثمارية، بجانب "بول كونواي" و"إليوت هايس" وهم رجال أعمال من الولايات المتحدة.

الهدف بدا واضحًا في هذه العملية الاستثمارية الجديدة من أجل "تأمين مستقبل أفضل للنادي وموارده والاستثمار في النمو" حسبما صرح جان بيير ريفيير، رئيس النادي.

أول خطوات التجديد كانت من خلال الاعتماد على المدير الفني السويسري "لوسيان فافر" والذي يقدم مستويات مميزة خلال الموسم الحالي.

"فافر" قدم مستويات مميزة رفقة فريق بوروسيا مونشنجلادباخ الألماني في الفترة من 2011 إلى 2015، وقد رأت إدارة نيس أنه قد يكون الأنسب للمشروع الجديد.

بخلاف مارسيليا، لم يعتمد نيس على أرقام كبيرة في التعاقدات، ولكنه فضل الاعتماد على المواهب الصغيرة التي لم يتم تسليط الضوء عليها، بالإضافة إلى بعض الانتقالات المجانية.

انتقال ماريو بالوتيلي إلى صفوف الفريق في الصيف الماضي كان رهانًا كبيرًا، ولكنه نجح بشكل كبير. وقد تم ذلك بشكل مجاني من صفوف ليفربول الإنجليزي.

كذلك تم استقطاب المدافع البرازيلي المخضرم "دانتي" من صفوف فولفسبورج الألماني، وأصبح عمودًا أساسيًا في قلب دفاع الفريق.

بخلاف ذلك، لا زال يعتمد نيس يعتمد على الحرس القديم الذي حقق المركز الرابع في الموسم الماضي برصيد 63 نقطة. ورغم التخلي عن حاتم بن عرفة ونامبليس مندى، أكثر من تألق في الموسم الماضي، إلا أن الفريق احتفظ بقوته وتواجده في مقدمة الجدول.

فريق نيس سيكون منافسًا جيدًا خلال السنوات القادمة في ضوء تلك الاستثمارات الجديدة. وقد يكون مشروع نيس مقاربًا في الأسلوب لمشروع موناكو الحالي.

إعادة إحياء ليون

في السنوات العشرة الأولى من الألفية الجديدة، دائمًا ما يرتبط الدوري الفرنسي بالنسبة للمتابع العربي بفريق ليون الذي ظل متسيدًا لسنوات.

7 ألقاب في 7 مواسم متتالية هل كل ما يمتلكه ليون في تاريخ مشاركاته في الدوري الفرنسي، قبل أن تتم كسر السلسلة على يد بوردو.

تنوعت أسماء بطل الدوري الفرنسي في كل موسم منذ ذلك الحين ما بين مارسيا ومونبيلييه وليل، إلى أن جاء وقت التسيد لباريس سان جيرمان في المواسم الأربع الأخيرة.

في ذلك الوقت، استمر ليون في التراجع، وربما كان أفضل تواجد له هو أن يكون وصيفًا خلال الموسمين السابقين، ولكن بفارق كبير عن نادي العاصمة الذي كان يحسم الدوري بفارق نقاط قد يصل إلى 20 نقطة فأكثر.

الأوضاع المادية لليون بدأت في التراجع قليلًا خلال الأعوام القليلة الماضية مع تواجد بعض الديون. الأمر الذي جعل إمكانية استمرار بعض نجوم الفريق، وأبرزهم "أليكساندر لاكازيت" محل شك في ظل الحاجة لبيع اللاعبين.

لكن من وقت للآخر، تعود الأمور المادية للاستقرار، ويبقى لاكازيت في صفوف ليون بعد العديد من الأخبار التي ترتبط برحيله.

ليون الذي يحل رابعًا هذا الموسم حتى الآن، ويبدو أنه لن ينهي الموسم بمركز أفضل، اشتكى كثيرًا عن طريق رئيسه "جان ميشيل أولاس" من المنافسة الغير متكافئة بسبب الاستثمارات القطرية في باريس سان جيرمان.

ولكن في أغسطس الماضي، أعلن نادي ليون عن حصول مجموعة IDG Capital Partners، وهي مجموعة استثمارية صينية مختصة في مجالات التكنولوجيا، على حصة 20% من أسهم النادي مقابل 100 مليون يورو، في خطوة تكون بداية للحصول على حصص أوسع من أسهم النادي خلال الأعوام القادمة.

ذلك الاستثمار المبدأي كان هدفه واضحًا حسب البيان الرسمي، وهو "التقليل من أعباء الديون وزيادة موارد النادي والترويج للعلامة التجارية لنادي أوليمبيك ليون في آسيا".

في سوق الانتقالات، فقد ليون مدافعه الشاب "صامويل أومتيتي" لصالح برشلونة الإسباني في صفقة قاربت الـ25 مليون يورو من حيث القيمة، ولكنه احتفظ بعديد من اللاعبين الواعدين في قائمته، أبرزهم لاكازيت ونبيل فقير، وكورينتن توليسو أحد أبرز نجوم الموسم الحالي في الفريق في خط الوسط.

في سوق الشتاء الأخير، أراد ليون التدعيم وتمكن من استقطاب الهولندي ممفيس ديباي من صفوف مانشستر يونايتد مقابل قرابة الـ14 مليون يورو، وهو رقم لم يتم دفعه في انتقالات الصيف السابقة.

ديباي يؤدي بشكل مميز مع الفريق منذ انضمامه، وليون يتواجد بشكل جيد محليًا بجانب التألق الأوروبي وتفوق ذهابًا على روما في ثمن نهائي الدوري الأوروبي، والاقتراب من ربع النهائي.

كعادة كل موسم، تزداد الأنباء حول رحيل نجوم ليون لأندية أُخرى. ولكن مع الاسثتمارات الجديدة، فبالتأكيد سيرغب الفريق في تكون مشروع قوي والحفاظ على أغلبية نجومه.

منافسون جدد في الميركاتو

اعتدنا رحيل نجوم الدوري الفرنسي عام بعد عام إلى انجلترا وأسبانيا، ولكن جاء باريس سان جيرمان ليكسر هذه القاعدة ويستقطب نجوم الصف الأول إلى عاصمة النور.

مع الاستثمارات الجديدة لأندية مختلفة وأبرزها من تم ذكره في هذا التقرير، بالتأكيد لن يتوقف رحيل بعض نجوم الدوري الفرنسي إلى دوريات أوروبية أخرى، ولكن القدرة المالية أصبحت متواجدة من أجل التعويض واستقطاب نجوم مميزين.

الأمر يتوقف على مدى جدية مشروع كل فريق والقدرة على اقناع النجوم وأهداف السوق.

ولكن المؤكد أننا سنشاهد سوق انتقالات صيفي في غاية القوة في 2017 مع وجود متنافسين جدد على الصفقات التي تتجاوز الـ20 مليون يورو كحد أدنى.

مدرسة موناكو

لا يبخل موناكو من أجل الشراء، ولكنه اعتمد سياسة مميزة من أجل تصعيد الناشئين المميزين واستقطابهم من أندية أخرى والاستثمار فيهم.

باع موناكو العديد من أفضل نجومه في السنوات الثلاثة الأخيرة، ولكنه تمكن من تشكيل فريق قوي هذا الموسم، والفضل يعود للمدير الفني ليوناردو جارديم.

ومع وصول أسعار اللاعبين لأرقام جنونية في حال تألقهم في فترة قصيرة، بات الحل الذي توصل إليه موناكو ربما هو الأمثل.

الاستثمارات الجديدة في مارسيليا وليون ونيس ستضخ العديد من الأموال وقد تستقطب عددًا من النجوم، ولكن النظر إلى تجربة موناكو والدمج ما بين القدرة المادية والاستثمار في قواعد الناشئين والأكاديميات سيكون حلًا سحريًا.

المنافسة على اللقب

مع كل النقاط السابقة، يمكننا أن نتوقع أن المنافسة على لقب الدوري الفرنسي ستكون قوية للغاية خلال المواسم القادمة.

الاستثمار في الدوري الفرنسي سيرفع من أسهمه كثيرًا، وما يحدث خلال الموسم الحالي من موناكو ونيس قد يكون بمثابة إشارة البداية من أجل منافسة أقوى بكثير مستقبلًا على لقب الدوري المحلي.

طموحات الأندية الفرنسية بدأت تتزايد أوروبيًا كذلك، حتى وإن كانت تلك الطموحات لا تتحقق على أرض الواقع، ولكننا بدأنا نشاهد نادي مثل باريس سان جيرمان بدأ يطمح نحو تحقيق اللقب الأوروبي ويضع ذلك هدفًا يعمل من أجله.

ولكن من المؤكد أننا لن نشاهد مرة أخرى في فرنسا ليون يفوز بالدوري لـ7 أعوام متتالية، وباريس سان جيرمان يستحوذ على جميع المسابقات المحلية في مواسم متتالية كذلك.

التعليقات