بطل في الجول – بيثاني هاميلتون.. امرأة هزمت الموج بذراع واحد

الأربعاء، 15 مارس 2017 - 18:05

كتب : أحمد العريان

بيثاني هاميلتون

"مع كل محاولة أسقط في الماء.. الكل يتحدث بلطف "حسنا، لنحاول غدا مجددا".

"كنت أرفض، أرفض لأنني أعلم أن خروجي من الماء هذه الليلة دون النجاح في محاولة واحدة سيعني الفشل.. الفشل طيلة العمر".

---

القرش هاجم بيثاني وقضم ذراعها.. قضمة كانت كفيلة بأن تقضي على حلمها في المهد.. كيف تصارع الأمواج بذراع واحد!

---

"هل تعرفين أفروديت؟ حين وُجد تمثال أفروديت كان مكسورا إلى لنصفين.. تمثال مفقود الذراعين، ولازال أهل اليونان يعتبرون صاحبته إله الحب والجمال".

كانت تلك القصة هي سلاح والدة بيثاني لإلهام ابنتها على استكمال حياتها قوية، لا تهاب نظرات الناس المشفقة عليها.

---

الحلقة الجديدة من سلسلة "بطل في الجول" تسرد معكم قصة بطلة. تحدت إعاقتها بعد أن قطم القرش ذراعها، فعاشت بطلة رياضية تركب الأمواج بذراع واحد.

الوطن

"يقولون إن الوطن حيث يرتاح قلبك، ولدى أغلب الناس هو منزل بأربعة جدران.. أما أنا وطني هو المحيط".

"من اللحظة الأولى التي لمست فيها أمواج البحر علمت هدفي، ركوب الأمواج".. بيثاني هاميلتون

في هاواي ولدت بيثاني هاميلتون، حيث البحر شريان حياتهم.

منذ اللحظة الأولى أدركت حلمها، أن تصبح راكبة أمواج محترفة، وعملت على ذلك.

ليلة من الليالي.. 31 أكتوبر 2003 كانت في الـ 13 من عمرها. خرجت كعادتها لتركب الأمواج مع ألانا برانشارد، صديقتها التي تشاركها نفس الهواية، لكنها لم تعد كما كانت في المرات السابقة.

القرش هاجم بيثاني وقضم ذراعها.. قطمة كانت كفيلة بأن تقضي على حلمها في المهد.. كيف تصارع الأمواج بذراع واحد!

هدوءها فقط أنقذها من الموت، وأبقى على ما تبقى من دماء في جسدها بعد أن فقدت 60% من مخزون الدماء.

لم تكن تلك نهاية الحلم بل بداية لقصة أبهرت العالم فيما بعد.. بيثاني قوية، صامدة، ربما لأنها لم تكن تدرك ما هي مقبلة عليه.

حين يبكي والدها ساهرا معها في المستشفى، تطالبه بالقوة والثبات.

  • بيثاني: متى سأعود لركوب الموج مرة أخرى؟"
  • والدها: قريبا
  • بيثاني: كيف علمت ذلك؟
  • والدها: "لأنك تسطيعين فعل أي شئ. أنا أثق من ذلك".

  • تقول بيثاني: "كنت أحلم بالقرش ليلا، لقد كان أكبر كوابيسي.. حتى عثروا عليه أخيرا".
  • "زرته مع والدي وكان معلقا على الشاطئ.. لم أعرف إن كان علي ركله أم أشفق عليه بعد مقتله.. فقط أردت سؤاله.. لماذا سلبت مني كل أحلامي؟".

الحياة صعبة

"الحياة صعبة بيد واحدة. بعد أن كنت أقضي أغلب وقتي في البحر لا أستطيع الآن ربط شعري أو ارتداء ملابسي بمفردي".

"ألانا براشفورد تتحضر للمشاركة في منافسات هاواي الدولية.. أما أنا فأحتاج لوالدتي كي أرتدي فستاني".

صديقتها المقربة شجعتها على العودة.. كانت مصدر قوتها في اتخاذ قرار صعب بالعودة للبحر بذراع واحد.

بيثاني تدربت كثيرا بشكل يومي.. لا تنسى أبدا عودتها الأولى للبحر، وعنها تقول التالي:

"والدي قال لي لن يكون الأمر سهلا، قلت له: أنا لا أريد الأمر سهلا، فقط أريده ممكنا"

"بدأنا اليوم، الكل كان يدعمني ويقف في ظهري، مع كل محاولة أسقط في الماء.. الكل يتحدث بلطف "حسنا، لنحاول غدا مجددا".

"كنت أرفض، أرفض لأنني أعلم أن خروجي من الماء هذه الليلة دون النجاح في محاولة واحدة سيعني الفشل.. الفشل طيلة العمر".

"بالفعل نجحت، وقفت على اللوح وركبت الموج.. تلقيت التهاني من الجميع".

"ظنوا أنني هنا حققت ما أريد، ولم يعرفوا أنها مجرد بداية".

"حسنا، المران يبدأ غدا".. مران من أجل ماذا؟".. المران للمشاركة في بطولة هاواي المقبلة".

وحان وقت السباق..

أحيانا قد لا يكون كلام الناس سخرية.. مع ذلك تتعمد فهمه كذلك، لا كرها لهم لكن تحفيزا لنفسك..

كل ما قالته مالينا لبيثاني قبل دخولهما السباق: "هل حقا ستفعلين ذلك؟"

بيثاني نظرت لها بثقة كبيرة وقالت: "نعم.. بالتأكيد".

حين اصطفوا على خط البداية قالت اللجنة المنظمة أنها وافقت على منح بيثاني 5 دقائق إضافية للبداية.. رفضت ذلك، قالت لهم: "لست في حاجة إلى معاملة خاصة".

بدأ السباق..

بيثاني تسير بشكل جيد على غير المتوقع، وفجأة..

معلق المباراة يقول: "أو أو.. يبدو أن بيثاني في مشكلة لأنها مقبلة على مواجهة الموجة الأعلى في البحر هذه الليلة".

سقطت بيثاني من على اللوح.. أتى المنقذون سريعا لإنقاذها، لكنها رفضت وأصرت على إكمال السباق.

برانشارد اتجهت نحوها، عرضت عليها مساعدتها لكي تكمل السباق، وهي أيضا ترفض "لا، أنا جيدة لا تقلقين بشأني".

على الجانب الآخر كانت مالينا لا تأبى بسقوطها.. فقط أرادت سباقها والوصول إلى النهاية.

تصرف مالينا استفز برانشارد، اتجهت نحوها وطلبت منها ترك بيثاني تفوز، لكن مالينا أيضا لا تأبى لذلك، فما كانت من ألانا برانشارد سوى أن أسقطت مالينا من لوحها في الماء.

الموجة الثانية كانت أشد قسوة، سقطت بيثاني مرة أخرى وانكسر اللوح.. هذه المرة كان لابد أن تغادر السباق رغما عنها.

بعد الخروج من السباق، عاتبت بيثاني صديقتها بشدة "لماذا أسقطتي ميلاني؟".

  • برانشارد: "لأنها إنسانة أنانية".

بيثاني: "لا، على الأقل هي عاملتني على أنني منافسة حقيقية".

فشلت إذا تجربة بيثاني.. نهاية الحلم الوردي كانت كبوسا.. فشل رأى الجميع أنه حتما نهاية محاولات العودة للحياة الطبيعية.

تقول بيثاني: "بعض الأطفال طلبوا توقيعي، قلت لهم: أملك ما هو أفضل من مجرد توقيع. وأهديتهم كل ما أملك من ألواح لركوب الموج".

"فرحوا بالهدايا، لم يدركوا أن هدفي كان التخلص من كل ما يربطني بتلك اللعبة".

تايلاند.. تسونامي

في تلك الأثناء كانت تسونامي دول أسيا اندلعت عام 2004.. تلك الأمواج الهائجة التي أحدثت زلزالا بقوة 9 ريختر، وتسببت في مقتل 300 ألف شخصا.

حين رأت بيثاني لقطات الضحايا في التليفزيون، عرفت أن ربما لو ذهبت إلى تلك المنطقة وقدمت المساعدة قد يساعدها نفسيا في محنتها.

ذهبت بيثاني إلى تايلاند رفقة فريق من المسعفين لتقديم العون إلى المنكوبين، وهناك التقت بطفل غير مسار حياتها.

طفل فقد عائلته بالكامل، يرفض النطق أو حتى تغيير ملامح وجهه عن التجهم.

حاولت بيثاني مداعبته، وما لفت انتباهه في بيثاني أنها مختلفة عن البقية.. ذلك الطفل لا يفهم سر عدم اكتمال قوام بيثاني.. أليست بشرية مثلنا؟ أين إذن ذراعها؟

بيثاني أدركت أن ذلك لفت انتباه الطفل فيها، عرضت اصطحابه في جولة بحرية على لوح خشبي.. الطفل هرب بعيدا لكنها حاولت لفت انتباهه بنزول البحر.

الطفل ذهب إليها ولعب معها.. تجمع الناس على الشاطئ، الكل يصفق لبيثاني التي نجحت فيما فشل فيه الجميع.

"لا، أنت لم تفقدين كل شئ، على الأقل أنت مازلت حية، ومازلتي مع عائلتك التي تحبك". في تلك الأثناء لاحت كلمات والد بيثاني في تفكيرها.. أدركت أخيرا أن بالحياة مازال ما يستحق القتال.

عادت بيثاني إلى وطنها.. والمفاجأة هو ما وجدته من رسائل دعم من الجمهور الذي رآها تسابق في سباق هاواي وانبهر بمحاولاتها رغم فشلها.

كان ذلك كافيا جدا لتصل إلى قرارها النهائي "سأحاول القتال مرة أخرى".

مسابقة المحليات.. ميلينا مرة أخرى

بعد أشهر طويلة من التدريب الشاق حان وقت السباق.. مرة أخرى تعود بيثاني لمقابلة ميلينا في سباق هاواي المحلي.

"ماذا تفعلين هنا بيثاني؟" ميلاني مرة أخرى موجهة حديثها إلى بيثاني قبل السباق.

بيثاني ترد: "أركب الموج.. مثلك تماما".

ميلاني: "رائع، أتمنى ألا تحتاجي لفريق الإنقاذ مرة أخرى".

بيثاني: "ميلينا بالمناسبة.. أود أن أشكرك".

ميلينا: "على ماذا؟".

بيثاني: "لأنك لم تعتبريني منافسا سهلا، عنى ذلك لي الكثير".

بدأ السباق

بيثاني، ميلاني وبرانشارد يتخطون الأدوار تلك الأخرى، حتى وصلنا للمرحلة الأخيرة من السباق.

6 متسابقات في المرحلة الأخيرة من السباق، وما حققته بيثاني للآن في حد ذاته إنجازا.

انطلقت ميلاني وحصلت على تقييم رائع. تبعتها برانشارد بتقييم جيد في المحاولة الأولى لكنها تعثرت في المحاولة الثانية لتحل ثانية في الترتيب إلى الآن.

بيثاني بدورها انطلقت في محاولتها.. البداية هذه المرة لم تكن موفقة مثل سابق الأدوار، سقطت من على اللوح وفشلت محاولتها الأولى.

في المحاولتين التاليتين لابد أن تحصل على تقييم فوق 9.5 لتتخطى ميلاني، وتنتقل من مركزها الحالي، الخامس.

هل تحقق بيثاني المعجزة؟ بالفعل هذا ما حدث، ولكن على النحو التالي..

المحاولة الثانية لبيثاني كانت الأروع على الإطلاق، حصلت على تقييم 9.7 وهو التقييم الأعلى لكل محاولات المتسابقات في السباق.

لم يكن ذلك كافيا لتغيير مركزها، لكن تكرار النجاح بهذا المقدار في المحاولة التالية سيعني الفوز باللقب.

"كوني حذرة، الهدوء ضروري في تعاملك مع الموج القوي، استخدمي حدثك وثقي به لتتوقعي الأمواج العالية قبل قدومها". كانت تلك هي أخر كلمات والد بيثاني لابنته قبل السباق.

دق الجرس وحان وقت التقدم لبدء المحاولة الأخيرة.

الجميع متفاجئ من رد فعل بيثاني. تتقدم بشكل هادئ وكأنها ستعلن انسحابها.

الوقت المسموح به قبل بدء المحاولة قارب على النفاذ... العد التنازلي بدأ ومازالت بيثاني لم تبدأ، والجميع يتساءل ما السبب!

حقيقة الأمر أن بيثاني كانت تتحسس الأمواج آخذة بنصيحة والدها، وفي اللحظة الأخيرة مع نهاية الوقت انطلقت محاولتها. وأبهرت كل الحضور.

أنهت بيثاني محاولتها بفرحة عارمة محتفلة مع عائلتها.. لكن الصدمة أن لجنة الحكام رفضت احتساب المحاولة الأخيرة لبيثاني لتأخرها في الانطلاق بعد انتهاء الوقت المسموح لها به.

حقيقة الأمر أن احتساب المحاولة لم يفرق كثيرا مع بيثاني، سعادة صاحبة الـ 18 عاما كان أكبر.. لأنها عادت للمنافسات مرة أخرى، بيثاني الآن قادرة على ركوب الموج من جديد..

فازت ميلاني باللقب، وأثناء التتويج أصرت على إهداء الكأس لبيثاني: "دعوني أتشارك الكأس مع بيثاني.. أنت أقوى منافس رأيته بحياتي".

---

حصلت بيثاني على ثلاثة ألقاب دولية، بالإضافة لاحتلالها مراكز متقدمة في كل البطولات التي تشارك فيها.

بيثاني أيضا تزوجت، وأصبح لها طفلا لديه من العمر سنتين، لتؤكد أن الإرادة وحدها تصنع المعجزات.

مصادر التقرير

- فيلم "Soul Surfer" الذي يسرد قصة بيثاني هاميلتون

- بعض التقارير والأخبار الأجنبية المنشورة عن بيثاني هاميلتون

- صفقة بيثاني هاميلتون على "ويكيبيديا"

- صفحة تمثال أفروديت" على "ويكيبيديا"

التعليقات