كتب : محمود عصام | الجمعة، 17 فبراير 2017 - 15:36

صالح جمعة.. العودة إلى زمن رضا عبد العال

صالح جمعة

لا تخلو مناقشات كرة القدم من المقارنات، الأمر الذي يؤدي عادة إلى اختلاف الكثير من مشجعي كرة القدم فيما بينهم حول مدى صحة تلك المقارنات من الأساس خصوصا عندما تتعلق بلاعبين من أجيال مختلفة.

يعزي البعض ذلك للنوستالجيا الكروية أو الحنين إلى الزمن الكروي الماضي، حيث كانت الكرة تعج بالمهارات ويرد الجانب الأخر بأن الكرة قديما كانت أبسط وتطور الكرة في وقتنا الحالي وخضوعها لانضباط تكتيكي أكبر أدى إلى تقليص فرصة ظهور تلك المهارات علي صورتها القديمة، ولكنها تظهر عند بعض اللاعبين الذين تغلب عليهم فطرتهم الكروية، بل إن تلك المهارات هي مفتاح رئيسي في المباريات المغلقة.

أو كما يقول الروئي الأوروجوياني إدواردو جاليانو: "من حسن الحظ أنه مازال يظهر في الملاعب، حتى وإن كان ذلك في أحيان متباعدة، وقح مستهتر يخرج عن النص لمجرد متعة الجسد المنطلق".

ولعلنا جميعا خضنا بأنفسنا في إحدى المناقشات الشهيرة على شاكلة: من أفضل مارادونا أم ميسي أو هل كان بيليه سيحظى بتلك المكانة لو واجه مدافعي العصر الحديث أو ليكون بنفس الأهمية في مباريات تتسم بالانغلاق التكتيكي التام، كل ما سبق يؤدي بنا نحو حقيقة واضحة: كرة القدم تغيرت كثيرا.

دعونا نطبق ما سبق على واحد من أهم المواهب المصرية في وقتنا الحالي، لاعب الأهلي صالح جمعة والذي بزغ نجمه صغيرا في صفوف إنبي ومنتخب مصر للشباب.

موهبة قادرة بلمسة واحدة على نقل اللعب بأكمله من الدفاع للهجوم وجعل المهاجم في مواجهة المرمى دون أن يشعر به أحد، إلا أن هناك مشكلة واضحة في أداء اللاعب الذي ما عاد صغيرا، هو الآن في طريقه لإتمام عامه الـ24، تلك المشكلة ببساطة هي أن صالح جمعة يلعب بطريقة التسعينات.

لنضع هذا جانبا لوهلة، عبد الله السعيد وهو لاعب خط الوسط المهاجم الأساسي في الأهلي ومنتخب مصر، هذا المركز يعاني معه مدرب المنتخب هيكتور كوبر لأنه لا يجد بديلا يعتمد عليه.

أيمن حفني من الزمالك يقع في فخ الإصابات المتكررة كما أن باقي الأسماء في الدوري ليست بنفس الكفاءة، الأمر الذي جعل هيكتور كوبر يدفع بالسعيد في جميع مباريات المنتخب للدرجة التي جعلته لا يصطحب أحدا سواه في نفس المركز في رحلة المنتخب الأخيرة في الجابون، وهو بالضرورة ما أدى إلى إرهاق اللاعب بصورة ملحوظة للجميع.

الأمر ذاته يتكرر مع الأهلي، فالسعيد يعد اللاعب الأهم في النادي في المواسم الأخيرة وغيابه يعني تعرض الفريق الأحمر لمشكلة فنية واضحة كما هو الحال في المباراة الأخيرة أمام الإسماعيلي.

لعب السعيد في الموسم الماضي 30 مباراة من أصل 34 في الدوري الماضي حيث غاب السعيد عن أخر أربعة لقاءات بسبب الإصابة وكانت النتيجة تعادل الأهلي في مواجهتين وهزيمة في أخرى وانتصار وحيد.

أما في النسخة الجارية من المسابقة، خاض السعيد مع الأهلي 17 مباراة كاملة ولم يغب سوى عن المباراة الأخيرة أمام الإسماعيلي.

لنعود لصالح جمعة، صانع اللعب ظهر في الموسم الماضي على فترات ربما كانت أكثرها توهجا تواجده أساسيا أمام اتحاد الشرطة والمقاولون حيث استطاع أن يصنع سبعة أهداف خلال المبارتين وهي نسبة أكثر من مثالية ولكنه لم يكن ذي فاعلية ملحوظة عندما يشارك بديلا.

مع ماديرا لعب جمعة 46 من أصل 62 وهي نسبة مشاركات ممتازة بالطبع ولكن الأمر يختلف تماما عندما تكون لاعبا في الأهلي فظهور اللاعب يجب أن يكون مؤثرا حتى يضمن تواجده ولكن صالح نفسه يبرر ذلك "دائما يقولون في النادي، أنني استكمال لمسيرة عبد الله السعيد، حيث لم يشارك كثيرا عند انضمامه للأهلي لتواجد محمد أبو تريكة، ولكنه مع الوقت والتدريب بجدية بات أحد نجوم الفريق بعد اعتزال أبو تريكة، فالأجيال تسلم بعضها البعض باستمرار في النادي".

ربما هذا التصريح هو الأكثر غرابة في وقتنا الحالي فلا السعيد هو أبو تريكة الحالي ولا إمكانيات جمعة من الممكن أن تبقى حبيسة الظل نظرا لتوهج السعيد الملحوظ فالأمر مختلف كثيرا حتى وإن كان صالح جمعة هو امتداد للسعيد فلماذا لا يبرز كبديل منطقي له.

حسام البدري وضع جونيور أجاي في مركز صانع اللعب بدلا من السعيد بينما جلس جمعة احتياطيا.

يمتلك جمعة مهارة الاستحواذ علي الكرة والمرور من الخصوم بشكل أفضل من السعيد كما أنهما على قدم المساواة في القدرة على تقديم التمريرات الحاسمة. حسنا، ما الذي يجعل السعيد أساسيا بشكل لا غنى عنه بينما يتلمس جمعة الفرصة؟

الإجابة هنا هي الالتزام التكتيكي وربط الدفاع والوسط المدافع بالمهاجمين وهو الدور الأساسي لهذا المركز في كرة القدم الحديثة. كم المجهود المبذول في هذا الربط والقدرة علي تغيير وتيرة المباراة بين التمرير الهادئ والضغط علي المدافعين والضغط الهجومي، كل هذا يتفوق فيه عبد الله السعيد بصوره ملحوظة.

"هناك محاولات عديدة معه لتطوير مستواه البدني لأن به قصور شديد، وينعكس كثيرا على مستواه الفني" حسام البدري عن صالح جمعة

الأمر أشبه بعودة رضا عبد العال من فترة التسعينات للعب كرة القدم في صورتها الحالية، فمن المؤكد أن رضا سيقدم لنا لمساته الفنية كلما شارك في المباريات ولكن هل سيستطيع مواكبة الجهد و التعليمات التكتيكية في كرة 2017 ؟

الكرة هنا في ملعب صالح جمعة فكل الظروف مهيأة لكي يصبح أهم لاعبي مصر في خط الوسط نظرا لما يمتلكه من مهارات وخصوصا أن البدري يمتاز بعدم الاعتماد علي عناصر محددة كما أنه كان مدربا للاعب في المنتخب الأوليمبي ويؤمن بقدراته كثيرا، ولكن يجب علي جمعة أن يفرض نفسه بصورة واضحة.

جماهير الكرة تحب نوعية جمعة كثيرا لما يمتلك من مهارة ولكن المدربين يدركون أن نوعية السعيد هي الأهم في كرة القدم الحديثة، فيجب ألا يكتفي جمعة بإشادات الجماهير لتمريرة حاسمة أو مرور جيد ولكن أن يبذل مجهودا أكبر في ربط الملعب والتحكم في وتيرة المباراة حتى وإن كان ذلك علي حساب الجانب المهاري الذي سيظهر في وقته خاصة وأن الفرق التي تواجه الأهلي عادة ما تلجاً إلي الدفاع بعد مرور وقت وجيز من المباراة.

"لاعب موهوب بالفطرة، وليس مصنوعا، لذا تنتظره الجماهير بشغف، إلا أنه من اللاعبين الذين لا يجيدون إدارة موهبتهم، فالموهبة تحتاج شخصية قوية تديرها. لا يستطيع استثمار وجوده في الأهلي، فهو كيان يوفر عليك التفكير في نواحي مالية وإدارية، مما يمنحه فرصة ثمينة لتفريغ كل طاقته في الاستمتاع باللعب، ولكنه موهبة ظلمت نفسها" عبد العزيز عبد الشافي متحدثا عن صالح جمعة

حسناً الخلاصة في هذا الأمر أن صالح جمعة لديه من المهارات ما يجعله مثالياً لمركز لاعب الوسط الهجومي إلا أنه لا يبذل المجهود اللازم لذلك وهو الأمر الذي تتمناه جماهير الأهلي وجماهير مصر من أجل رحلة المنتخب نحو كأس العالم وننتظر من صالح جمعة أن يبدو أكثر رغبة في بذل المزيد من الجهد لا الاستناد إلى المهارة.

"صالح قادر علي أن يصل إلى مستويات غير مسبوقة من التألق والتطور لا مثيل لها ليس فقط في أن يلتزم بالجانب الدفاعي مع الواجبات الهجومية، ولكن أيضا زيادة المعدلات البدنية لكي يكون أكثر قوة وقدرة على التمرير بشكل أسرع" البدري.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات