محمد حازم.. ابن شبرا وقصة حب لم تُكتب نهايتها بعد

الإثنين، 13 فبراير 2017 - 00:23

كتب : مصطفى عصام

محمد حازم

محمد حازم كان يشتري العديد من القصص ومعظمها ذات طابع تشاؤمي تتحدث عن الموت والشظف وزهد الحياة، وكان أخر ما قرأ هو كتاب (وداعا أيها الملل)، ويضع دائما خطوط عن الجمل التي تتحدث عن الموت.

يستعرض لكم FilGoal.com جزءا من مشوار محمد حازم قائد فريق الدراويش في الثمانينات.

محمد حازم، طبيعة إنسان متصوفة مناسبة لحمل شارة قيادة الدراويش في جيل ذهبي بدأ في الثمانينات لإحياء مجد الأباء وما ألفوه بدءاً من إنطلاقة "الهر" علي أبوجريشة وزملاءه في حصد أولى ألقاب بطولة الدوري موسم 1966-1967 وبطولة إفريقيا للأندية عام 1969.

حازم لم يكن مجرد لاعب كرة قدم كما وصفه أخيه الأكبر دكتور طارق حازم، بل هو درويش فقير يقود مجموعة من السحرة المُعتقد فيهم بأنهم ضربت بهم الأرض للعبهم الكرة على شطآن القنال بعيدا عن أضواء العاصمة، ولكنهم أكملوا زارا وأناشيد شعبية أضيفت لأنغام السمسمية التي لم تفرغ أوتارها من العزف.

بدأ محمد حازم ركل الكرة في حواري وشوارع شبرا.. ولم يخف إعجابا بنجوم الدراويش القدامى أمثال (رضا.. والذي مات في حادث تصادم أيضا)، بازوكا، شحتة، أنوس وأميرو.

ساق الأهالي طلبات لحازم من أجل التوسط له للتقدم لناشئي الأهلي أوالزمالك، إلا أنه رفض، وصمم على أن يبدأ حياته بالإسماعيلية معقل الدراويش.

كيف أنضم حازم للإسماعيلي ومشواره نحوكسب قلوب الدراويش.

سنحت الفرصة لمحمد حازم من أجل الانضمام للدراويش عندما فتحوا معقلا للإختبارات بمركز شباب الجزيرة أوقات التهجير في الفترة بين نكسة 67 وعبور 73، كان عمره في ذلك الوقت 11 سنة ونجح في الاختبارات وانضم لفريق 14 سنة وأشرف على تدريبه نجم الدراويش "العربي".

وعند العودة للمعقل وإعادة تجديد استاد الإسماعيلية لإقامة المباريات الرسمية عليه، اجتمعت الأجهزة الفنية لفرق ناشئين 16 و18 و21 عام لتصفية اللاعبين فاستقروا على 5 لتدعيم الفريق الأول أصغرهم محمد حازم ذو السبعة عشر ربيعا وقتها.

البداية وقتها للثعلب بعمر 17 عام وقد وثق فيه طومسون المدير الفني للدراويش وأشركه في الشوط الثاني مع الدراويش أمام السويس عام 1977.

يستطرد أخيه طارق أخيه الحديث عن هذه المواجهة وقتها: "انطباع الجمهور عنه في هذه المواجهة بوجه مطمئن للاعب وجهه عابس بدا عليه تحمل المسؤولية مع الدراويش، في الحقيقة محمد في هذه المباراة بعدها أخبرني بلهجته الهادئة المعتادة بأنه لم يكن يفكر في نفسه، تفكيره انحصر أثناء المباراة بتذكر أشقاءه (طارق، خالد، وشقيقته وقبل كل ذلك والدته) وأن هذه المباراة مفتاحا له من أجل ضمان مكانا قد يؤمن حياتهم".

حازم تحدث عن هذه المباراة وقتها مع فايز الزمر بلغة هادئة كالمعتاد: "لا أتذكر عن المباراة سوى أنها المباراة الأولى لتوأمي الروحي بالملاعب عماد سليمان".

في هذا الموسم، سطع نجم حازم بشدة، وتألق أمام الترسانة فأحرز هدفا وأضاع ضربة جزاء، والتي طالما عاندته ولم تطاوعه خصوصا أمام الزمالك حين أضاع ركلتين في مباراة واحدة!

انضم حازم عام 1980 لأول مرة لمنتخب مصر، ولكنه لم يحظ كثيرا بالمشاركات الفعالة الرسمية واكتفى بالعديد من الوديات، وهذا طابع صبغ على مسيرته مع المنتخب حتى وفاته، لعب حوالى 15 مباراة دولية وحصل مع منتخب مصر على بطولة كأس الأمم الإفريقية عام 1986 بالقاهرة، ومثل مصر فى بطولة البحر المتوسط بالمغرب عام 1983.

حازم خٌلق من أجل الإسماعيلية فقط، كتب بداية مسيرته أمام مصنع 36 الحربي، هذا الفريق الذي كلف الأهلي غاليا وتسبب في إضاعة الدوري منه عام 1978، مباراة عجيبة مع هذا الفريق الهابط إلى دوري المظاليم والذي استطاع التقدم على الاسماعيلي بهدفين وكانت ثورة بالمدرجات علي فريق الاسماعيلي ومدربه من الجمهور الذي فوجئ بالحدث بعد أن كان يٌمني نفسه بسيرك.

ليسجل علي ابوجريشة الهدف الاول ويتألق عماد سليمان بالمرور من لاعبي دفاع المصنع واحدا تلو الأخر ويمررها متقنة إلى محمد حازم ليحرز هدف التعادل في الوقت القاتل مسددا الكرة قوية جدا في الزاوية اليمنى لحارس المصنع كهداف قدير، وقتها أشادت جريدة الأهرام بالصاروخ التهديفي الرائع واشتهر كثيرا في الإعلام المصري وذاع صيته كثيرا بعد تعليق علاء الحامولي عن معجزة الدراويش الجديدة.

محمد حازم انطلق في فترة الثمانينات، فقد اشترك خلال مشواره فى 197 مباراة بالدوري أحرز خلالهم 63 هدفا و21 مباراة فى كأس مصر، ولعب 15 مباراة دولية ضمن صفوف المنتخب المصرى بالإضافة إلى 8 مباريات إفريقية خلال مشاركة الإسماعيلى فى بطولة إفريقيا للأندية أبطال الكأس.

أما أخر مبارياته فكانت فى 11 نوفمبر 1986 ضد المحلة والتي توفي بعدها مباشرة إثر حادث فى طريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوى.

تتوالى أهداف حازم مع بداية موسم 79/1980 حيث سجل هدفين من 34 هدفا سجلهم الإسماعيلي في 30 مباراة، وفي موسم 80/81 سجل حازم هدفين من 18 هدفا سجلهم الإسماعيلى، وفى موسم 81/1982 سجل 8 أهداف من 23 هدفا سجلهم الإسماعيلي، وجاء ثاني هدافي الدوري بعد جمال جودة هداف الدوري.

وفي الموسم التالى 82/1983 سجل 7 اهداف من 16 هدفا سجلهم الإسماعيلي في 21 مباراة، وفى موسم 83/1984 أحرز حازم 7 أهداف ويأتي في المركز الثاني بعد أيمن شوقي هداف الدوري بفارق هدف.

وفى موسم 84/1985 يحصل على لقب هداف الدوري برصيد 11 هدفا ويكرر الإنجاز للعام الثاني على التوالي ويفوز بلقب هداف الدوري بنفس الرصيد 11 هدف .

وتشهد بداية موسم 86/1987 أخر بصماته التهديفية عندما سجل لقاء السويس فى يوم 16 أكتوبر 1986 ، آخر أهدافه بالدوري العام ، وقد سجل فى جميع فرق الدوري.

أما أخر أهداف محمد حازم الإفريقية فكانت فى مرمى فريق الأهلي فى مباراة الدور قبل النهائي بالإسماعيلية وسجله في مرمى إكرامي.

تولى شارة قيادة الإسماعيلي وعمره 21 سنة كأصغر كابتن لفريق كرة بمصر، وقد أتى به اللاعبون قائدا له بعد إستفتاء علي أبو جريشة وأنوس.

محمد حازم والخطيب

مباراة الإسماعيلي والأهلي بالاسماعيلية عام 1980 التي انتهت بفوز الأهلي بهدف أحرزه جمال عبد الحميد، وأحداث الشغب التي صاحبت تلك المباراة وبرز وقتها شخصية محمد حازم كشخصية قيادية في الحد من تشابك لاعبي الفريقين والتي اندلعت شرارتها بسبب اعتداء لاعب الأهلي شطة علي حمادة الرومي حسب ما اثبت ذلك تقرير الحكم أحمد بلال.

تلقى الخطيب وقتها كرسيا غاضبا على ظهره من مدرجات الدراويش، وسارع محمد حازم بإخراج فريق الأهلي من الملعب بعد كسر ثابت البطل قفل ممر غرفة الملابس، وأنقذ فريق الأهلي من كارثة محققة.

من وقتها تلازم الخطيب ومحمد حازم كصديقين، جمعت بينهما العديد من المعسكرات في غرفة واحدة كما أصر الخطيب عند التقاط صورة الكأس الأفريقية بأن تكون مع حازم ليحتفظ بها كذكرى تجمعه به.

الخطيب تحدث للصحفي حمدي الكنيسي عن لقاء مصر وإنجلترا الودي: "حازم فعل كل شئ بالكرة ولكنه اصطدم بحارس عملاق مثل بيتر شيلتون أضف لسوء النتيجة، في الحقيقة لم أجد بدا سوى تشجيعه لفعل الأفضل".

لحظة فراق حازم عن الحياة

فى يوم الثلاثاء الموافق 11 نوفمبر 1986. وبعد انتهاء مباراة الإسماعيلي والمحلة بالدوري، رحل النجم الخلوق عن عالمنا، عن عمر يناهز 26 عاما فقط إثر حادث على طريق الإسماعيلية – القاهرة الصحراوي، حيث كان يرافقه فى سيارته الحارس علي أغا ومحمود جابر بالإضافة لفاروق عبد السلام أحد منظمي المباريات باستاد الإسماعيلية.

يروى محمود جابر لاعب الإسماعيلي الأسبق والذي رافق حازم خلال الحادث ويقول: "ركبنا السيارة مع المرحوم محمد حازم وخرجنا من الإسماعيلية فنمت لقتل الوقت وبالقرب من الكيلو 74 فى اتجاه القاهرة وجدنا سيارة بمقطورة واقفة على الجانب الأيمن وبسرعة لا تزيد عن 90 كيلومتر، ولاحظت أن حازم سرحان فقلت له : حاسب يا حازم فحاول الاتجاه بسرعة إلى اليسار فوجد أنه سيدخل في الرمل في الجزيرة الفاصلة بين الطريقين وبسرعة عاد باتجاهه إلى اليمين فوجد المقطورة بجانبه فعاد مرة اخرى وبسرعة إلى اليسار فانقلبت السيارة عدة مرات جهة الجانب الأيسر الى أن استقرت بجوار الطريق المقابل القادم من القاهرة" .

وأضاف جابر "حوالي الساعة السادسة والنصف مساءا وكانت السيارة التى ركبناها بيجو 504 اشتراها حازم قبل يوم واحد من الحادث وكان علي أغا يجلس بجواره وكنت أجلس في المقعد الخلفى خلف علي أغا وبجواري عم فاروق حسنين وعندما شعرت بالسيارة تنقلب أمسكت بالمقعد بكل قوتى وخرجت من السيارة ووجدت علي اغا وعم فاروق ملقيان على الأرض".

"وفي هذه اللحظة توقفت بعض السيارات التي كانت تسير على الطريق وسأل بعضهم هل أنتم ثلاثة فقلت لهم يوجد زميل رابع وهو الكابتن محمد حازم وبحثت عنه حول السيارة، إلى أن وجدته ممددا على الأرض خلف السيارة فأسرعنا إليه ووجدنا الدماء تنزف منه بغزارة ولم يتفوه بأى كلمة أوتصدر منه أى حركة".

"وكانت أخر كلمات قالها حازم ونحن في السيارة قبل الحادث بثوان قليلة: كنا نريد أن نفوز لنعيد البسمة إلى قلوب جماهيرنا ونصالحهم بعد أن فقدها عقب خروجنا من كاس إفريقيا وركز حديثه على الكرة التي هيأها لفوزي جمال امام المرمى الخالى وقال كان من الممكن جدا أن أسجل منها هدفا لكننى فضلت أن أمررها إلى فوزي لكي تكون هدفا مؤكدا ولكن ضاعت الفرصة".

ومن الغريب أن عم فاروق حسانين سافر معهم هذا اليوم بعد اعتذار حمدي نوح ومحمود حسن.

وقد قام مجلس إدارة الإسماعيلى حينها بتنظيم مباراة ودية لتأبين محمد حازم أمام النادي الأهلي على ستاد الاسماعيلية، حيث أصرت جماهير الكرة المصرية على حضور المباراة وملء جنبات الملعب.

يقول عماد سليمان عن تلك المباراة: "حين وطأت قدمي أرضية الملعب، لم أصدق أن حازم رحل عن عالمنا ولم أفق على تلك الصدمة سوى وقتها فانخرطت في البكاء، وعند رفع نظري لم أجد سوى الخطيب وبأسى لم أره عليه من قبل يحمل صورة حازم ويحتضنها والجماهير تشاركنا البكاء".

لم تنطق الجماهير وقتها سوى بالهتاف الشهير: "يلا يا حازم .. صحي النايم وحط الجول".

التعليقات