كتب : محمود عصام | السبت، 21 يناير 2017 - 13:37

هذا وقت الغفران لعصام الحضري

عصام الحضري

لم تمر سوى 12 دقيقة من المباراة الاولى للمنتخب المصري في كأس الأمم الإفريقية حتى يسقط حارس المرمى الأساسي أحمد الشناوي باكيا إصابته لتبحث الكاميرا عن وجه الحارس الإحتياطي والذي تقتضي العادة في مثل هذه الظروف أن يكون وجه مجهول تحاول الكاميرا العثور علىه إلا أنه يختفي وسط أجساد لاعبي الفريق بالكامل الملتفين حوله في محاولات من شد أزر هذا المسكين.

إلا ان الكاميرا توقفت عند وجه تحفظه إفريقيا كلها، من ينسى أفضل حارس في إفريقيا 6 سنوات متصلة، هذا الوجه له نصيب من تحول زعامة إفريقيا الكروية من الغرب إلى الشمال. نفس القسمات الساخطه، نفس التحدي والتحفز التلقائيين مازالا يميزا وجه حارس إفريقيا الأول منذ بداية الألفية الثالثة دون منافس، عصام الحضري.

بدأ الأمر في محافظة دمياط حيث تلعب كرة القدم كباقي محافظات مصر بصورة يومية، إلا أن قلما تجد أي طفل يذهب لكي يقف كحارس مرمى عن طيب خاطر فالكرة تلعب في الشارع في الأساس لإظهار المهارات المختلفة، دون النظر للنتيجة كثيرا، إلا أن الطفل البالغ من العمر ستة سنوات كان يظهر الكثير من المهارة أثناء وقوفه بالمرمى.. كان يرتمي على قدم المهاجم إن إقترب غير آبه بإصابة وجهه أو يديه، لكي تلعب كحارس مرمي في الشارع يجب أن تمتلك قدرا كبيرا من الشجاعة فلا قفازات هنا تحميك ولا مسافات واسعة تخفف قوة الكرة المتجهة نحوك، ربما من هنا بدأ الحضري إكتساب أولى صفاته الواضحة.

لم تكن أسرة الحضري تتفهم فكرة إحترافه كرة القدم فقام أبوه مرارا بحرق ملابس الكرة ومنع المال عنه إلا أن الحضري ببلوغ عامه الرابع عشر التحق بنادي استاد دمياط فكان يذهب يوميا للنادي الذي يبعد عن مدينته بعض الكيلومترات دون مال ولكنه لم يتغيب عن مرانه أبدا.

ثم تدرج عصام الحضري خلال المراحل السنية حتى التحق بنادي دمياط الذي أصبح حارسه الأول وصعد به للدرجة الأولي لكي يلتقطه الأهلي عام 1996 ويصبح حارس الأهلي الأول بداية من عام 1997 حتي افترق عن الأهلي عام 2008 في حادثة سيون الشهيرة.

كيف تستطيع أن تشرح لأحدهم أنك صحوت في أحد الأيام لتجد نفسك أكبر من مدينتك بأكملها.. تتردد على مسامعك أنك مطلوب في إنجلترا إلا أن عامل السن يحول دون إتمام الأمر، الأسطوري ديدييه دروجبا يصرح "هذا أفضل حارس واجهته على الإطلاق"، نادي في سويسرا يطلبك ويُرفض طلبه من الأهلي لضعف المقابل المادي، ولكنه في الـ35 فإن لم يرحل لأوروبا الآن فمتى؟

"لم أفكر أن أغادر الأهلي في حياتي إلا أنني وجدت نفسي قد غادرت بالفعل فعقلي غادر الي سويسرا قبل أن اتخذ قراري بالمغادرة" ربما كان هذا لسان الطموح الذي لمع في عيني الحضري فغير نظرته للعالم كله ثم أفاق على بئس ما فعل، ترك النادي الأهلي.

أعقب الحضري تلك الفترة بفترة غير مستقرة، حيث شارك مع الزمالك والاسماعيلي والاتحاد والمريخ السوداني ووادي دجلة الذي يلعب له حاليا، إلا أن الأمر دوما يختلف عندما يتعلق بالمنتخب الوطني.

الحضري هنا يجمع الجمهور عليه، فلا كلام عن تفضيله للأموال أوالمصالح الشخصية ولا مجال للحديث عن تشجيعه لناد منافس، بقميص المنتخب يثق به الجميع ويهتف له وهو دوما على هذا القدر من الثقة.

من بين جموع المصريين المراقبين عودة منتخبهم لبطولته المفضلة بعد غياب دام ستة سنوات ثمة من صاح فور رؤيته لوجه الحضري لاعنا الحظ والظروف التي أودت بمشاركة حارسا مرمى الأهلي والزمالك لصالح هذا الرجل، ثمة من أعاد إلى الأذهان جمل تتحدث عن السحر والأعمال السفلية، وهناك البعض قد أرجع الأمر إلى أن التاريخ يخدم أبطاله في كثير من الاحيان. ربما هذا الاختلاف المبين على الرجل انتهى تماما في الدقيقه الـ85 بإنقاذه لانفراد صريح لمهاجم مالي.

تستطيع سماع صيحات الاشادة والتصفيق للرجل الذي تكفل الوقت بإعادته للمرمى في المرة الاهم لكي ينهي تاريخه مع الكرة بصورة مستحقة.

الرجل الذي طالما كان يصيح في اللاعبين من الخلف، كان وقوده دوما صيحات الجماهير من خلفه أيضا، ذلك التفاعل الدائم بين الحضري والجماهير خلال المباريات هو الدليل على أن الحضري من نوعية اللاعبين التي تستثار بالضغط عليها، تلك النوعية التي تلمع كثيرا في الظروف الصعبة، ربما أصبحت الآن الظروف مثالية لعودة عصام الحضري، فالكثير من الجماهير الساخطة عليه لأسباب تتعلق بالإنتماء للأندية في المقام الأول قد وجدت فرصة كي تستعيد مع الحضري ما فقدته خلال السنوات الماضية، أخيرا يسطتيع المشجع أن يهتف للحضري دون أن يشعر بوخز الضمير وكـأنه يعادي ناديه.

44 عاما وبوزن أفضل من ذي قبل، ستة مشاركات في كأس الأمم الإفريقية توج بثلاث منها.. ويبدأ ثاني مباراته في نسخته السابعة اليوم لكي يصبح أكبر لاعبي أمم إفريقيا سنا.

الفارق بين بطولة إفريقيا الأولى التي شارك بها وتلك البطولة 21 عاما وهو عمر أكبر من أعمار بعض لاعبي المنتخب في البطولة، رجل حافظ على كونه لاعبا دوليا لما يزيد عن الـ20 عاما يستحق أن تمحى خطاياه، يستحق أن ينهي علاقته بالكرة كأسطورة ولا يخفي على أحد أن الرجل يتشبث بأمل المشاركة في كأس العالم لكي يبَقي نفسه كأسطورة لن يقترب منها أحد على المدى القريب.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات