تكتيك في الجول (5) - المتعة أم النتيجة؟ أسطورة أرسنال يجيب.. وتأسيس طريقة "دبليو إم"

الإثنين، 05 ديسمبر 2016 - 17:59

كتب : محمد البنا

أرسنال في ثلاثينات القرن الماضي تحت قيادة تشابمان الذي سيطر على الكرة الإنجليزية

"الخوف من الهزيمة وخسارة النقاط يقضي على ثقة اللاعبين.. يجب إيجاد بعض الطرق لتقليل أهمية الفوز" هربرت تشابمان أسطورة أرسنال في عشرينات القرن الماضي.

يواصل الأب روايته لنجله في الحلقة الخامسة من سلسة (تكتيك في الجول) التي يقدمها FilGoal.com مقتبسة من المحلل الشهير جوناثان ويلسون في كتابه Inverting The Pyramid: The History of Soccer Tactics

يمكنك قراءة الحلقات السابقة بالضغط هنا (تكتيك في الجول)

أثناء جلوس الطفل مع والده في المدرجات، أطلق الحكم صافرته معلنا تسلل، وهو ما استفسر عنه ليجيبه والده حول كيف بدأ تطبيق هذه القاعدة:

بداية التسلل

بدأ التفكير في تغيير قاعدة التسلل التي تشير لضرورة وجود ثلاثة لاعبين قبل المهاجم لكي يستطيع استلام الكرة إلى لاعبين بعد أن مرت بأكثر من مرحلة وذلك سنة 1925.

فبعد أن زاد عدد المباريات التي تنتهي بالتعادل السلبي بسبب إتقان المدافعين نصب مصيدة التسلل فانخفض المعدل التهديفي إلى 2.58 هدف/مباراة، أصبحت كرة القدم مملة.

بدأ اتحاد كرة القدم الإنجليزي في التفكير في تغيير قانون التسلل، وتوصل لتصورين لاحتسابه.

يقضي التصور الأول بوجود لاعبين فقط أمام لاعب الهجوم، والثاني هو وضع خط في منتصف كل ملعب يبعد 40 ياردة عن المرمى ولا يكون المهاجم متسللا إذا كان خلف هذا الخط. وتمت تجربة التصورين في مباريات ودية بحيث يتم تجربة التصورين بواقع واحد في كل شوط.

وفي الأخير استقر على تطبيق التصور الأول ونفذ لأول مرة في موسم 1925-1926، وأظهر هذا التعديل نجاحا فوريا فارتفع معدل التهديف إلى 3.69 هدف/المباراة.

التأثير؟

أدى تغيير قانون التسلل إلى مبادرة هربرت تشابمان أسطورة أرسنال بتطوير طريقة اللعب إلى الظهير الثالث أو (WM) وهي الطريقة التي رآها فيلي ميسيل أحد الكتاب الكبار سببا لتراجع كرة القدم الإنجليزية خاصة بعد خسارة إنجلترا أمام المجر 6-3 عام 1953.

مع تطبيق تشابمان لطريقة اللعب (دبليو إم) بوجود ظهير ثالث في خط الدفاع بحيث ترى الملعب وكأنه يكتب حرف (M) من لاعبي الدفاع والوسط الدفاعي وحرف (W) بين لاعبي الوسط الهجومي والهجوم.

هنا حدث انقسام جديد، فاختلف الذين يبحثون عن الفوز وهؤلاء الذين يريدون اللعب بصورة جيدة، تلك المناقشات مازالت مستمرة إلى الآن لكنها كانت على أشدها في عشرينيات القرن الماضي.

فرأى أنصار الكرة الجميلة خاصة تشابمان أن معيار اللعب والفنون والمتعة سيزداد إذا لم تكن النتيجة هي الأهم في النهاية.

هربرت تشابمان أسطورة أرسنال (1924-1934)

واعترف تشابمان قائلا: "الخوف من الهزيمة وخسارة النقاط يقضي على ثقة اللاعبين، إذ أردنا حالا أفضل لكرة القدم يجب إيجاد بعض الطرق لتقليل أهمية الفوز وقيمة النقاط".

كما قال داني بلانكفلاور أسطورة توتنام ونجم منتخب أيرلندا الشمالية: "من الخطأ أن نقول إن كرة القدم لعبة تهدف إلى الفوز، بل هي تهدف إلى المجد وإنجاز العمل بشكل جميل ورائع".

في هذا التوقيت من الزمان كان الذي يبحث عن النقاط يلعب بسلبية ويخشى الهزيمة.

"لم يعد ضروريا لأي فريق أن يلعب بصورة جيدة، بل عليه أن يحرز الأهداف والنقاط، لا يهم كيف تأتي ذلك فقياس مهارات اللاعبين في الحقيقة يتم الحكم عليه من خلال موقعك في جدول الدوري"

ومع تغيير قانون التسلل ظهرت مساحات كبيرة أمام المهاجمين واتسم موسم 1925-1926 بنتائج عجيبة فأرسنال بدا غير قادر على الاستقرار أمام خطة مناسبة، فاز في ليدز مثلا 4-1 وبعد أسبوع خسر 7-0 أمام نيوكاسل. الأمر الذي تبعه أزمات من لاعبي الفريق.

فأعلن تشارلي بوشان أحد نجوم أرسنال في مركز المهاجم الأيمن أنه سيتقاعد وقال إن فريقه بلا خطة وليس لديه فرصة للفوز بشيء.. كلماته كانت بمثابة صدمة لمشروع تشابمان، وهو الرجل الذي كان يتحكم في كل شيء في أرسنال وهو رجل تخطيط في المقام الأول قبل كل شيء.

لاعب الارتكاز الدفاعي

كان تأثير تشابمان واضحا في تاريخ كرة القدم، فعندما تم تعيينه لقيادة فريق هيدرسفيلد تاون نجح في الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي عام 1922 بهدف سجله بيلي سميث من ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة على نادي بريستون نورث.. لكن الأمر لم يعجب المسؤولين.

وتظهر من خلال المؤرخين أن هناك طريقة لعب حاد عنها تشابمان في أسلوبه، والتي وضع فيها لاعب الوسط توم ويلسون إلى الخلف أكثر من اللازم وتصرف كأنه "مفسد كبير" بحسب وصف صحيفة (هودزفيلد إجزامينر).

وجود لاعب وسط بأدوار دفاعية واضحة كان هو الشيء الأبرز الذي ابتدعه تشابمان في هذه المرحلة.. ليس واضحا إن كان هذا عن عمد أو بسبب انتشار ويلسون في الملعب، لكنه حدث.

وفضّل تشابمان اللعب بالتمريرات الطويلة أكثر فتكا من الجري بطول الخطوط والتمركز فقط أمام المرمى والاعتماد على الأجنحة.

ومع تولي تشابمان مهمة أرسنال في منتصف عشرينات القرن الماضي كانت أولى اهتماماته كمدير عصري لأول مرة – أي يتحكم في كل شيء سواء الصفقات أو الملاعب وكل الأمور الخاصة بالفريق- ضم شارلي بوشان من نادي سندرلاند الذي طلب في 4000 جنيه استرليني.

انتقل بوشان إلى أرسنال بعد دفع 2000 جنيه استرليني كدفعة أولى، و100 جنيه استرليني عن كل هدف يسجله، ونجح في تسجيل 21 هدفا ليدفع أرسنال 4100 جنيه استرليني كإجمالي الصفقة.

بوشان كان غير نمطي، يفكر بشكل مختلف أعجب به تشابمان، حيث أن بوشان كان مقتنعا أن تغيير قانون التسلل يعني ضرورة وجود دور دفاعي للاعب الوسط الارتكاز.

ومع ضرورة وجود دور دفاعي للاعب الوسط، بدأ لاعب الوسط في العودة ليمثل ظهيرا ثالثا.. لكن هنا حدث خللا في وسط الملعب، إذ نقص عدد اللاعبين مما أنتج طريقة 3-3-4 غير المتزنة والتي اندثرت سريعا بسبب فشلها.

تشابمان كان واثقا أنه يسير بشكل صحيح لكن ثورة التغيير لم تكتمل بالشكل الأمثل، فلم يكن العيب في الطريقة بقدر هو الأشخاص الذين ينفذون هذه الطريقة.

ومع انضمام هيربي روبرتس جناح الوسط ذو القامة الطويلة، حوله تشابمان إلى لاعب وسط للاستفادة من قوته وطُلب منه قطع الكرات وتسليمها بتمريرا قصيرا لأحد أعضاء فريقه.

قد يكون روبرتس أقل في المهارات من أقرانه لكن تميزه في استخدام رأسه بشعره الأحمر المميز جعل صحيفة (أرسنال فورود) تقول عنه: "كان نموذجا للاعبين المستقيمين الذين ينفذون ما يُطلب منهم على أكمل وجه".

طريقة القرن العشرين

كان تشابمان رجل سبق عصره، فاستخدم السبورة المغناطيسية لشرح خطة اللعب وهو الأول الذي يفعل ذلك، والتي قالت عنه صحيفة (ديلي ميل): "كسر التقاليد القديمة، وكان المدير الأول الذي رتب بصورة منهجية الفوز بالمباريات".

ونجحت طريقة تشابمان في تحقيق البطولات كما وعد عندما تولى المسؤولية خلال خمس سنوات، وحصد كأس الاتحاد الإنجليزي في أبريل 1930.

وقيل عن طريقة تشابمان WM إنها طريقة القرن العشرين، أعاد الظهير الثالث وقام بتغيير شكل خط الوسط ليعيش أرسنال أكثر عهوده انتعاشا.

وأجمل ما قيل عن هذه الطريقة: "هي طريقة مختصرة ومثيرة ومذهلة واقتصادية ومدمرة.. هي آلة للعيش داخلها وشعارا للتحديث" بحسب ما وصف ويليام كارلوس ويليام.

نجاح أرسنال جعل هناك مخاوف من الأصوليين من تقليدهم، فطريقة الهرم لم تعد ناجحة بعد فوز تشابمان بكأس الاتحاد عام 1930 أمام هدرسفيلد تاون 2-0 الذي لعب أمامه بالطريقة التقليدية مقابل خطة WM.

وتوج أرسنال بلقبي الدوري الإنجليزي في عامين متتاليين، مما جعل المحلل في صحيفة (ديلي ميل) سنة 1933 يقول: "إذا حاولت بعض الأندية تقليدهم سينتهي نهاية مؤسفة، ففي الوقت الراهن يوجد أرسنال واحد فقط ولا يمكنني التفكير في أرسنال آخر يحمل لاعبوه نفس أفكار لاعبي أرسنال الحاليين".

وبالفعل، لم يتم فهم الأفكار الخاصة بتشابمان بطريقة جيدة، فلعبت إنجلترا ضد اسكتلندا وخسرت 2-0 وظهر المساكون الثلاثة للإنجليز بشكل غير متأقلم.

حاولت بعض الأندية تقليد طريقة تشابمان لكن النتيجة كانت دمار كرة القدم البريطانية من خلال التركيز على الدفاع والارتداد الكبير المبالغ فيه للخلف الذي وضع نهاية كرة القدم البناءة والذي أفقد اللاعبين لمسة الكرة والشعور بها.

وكما ذكرت صحيفة (ديلي ميل) أكد هذا هوجو ميسيل: "نظامنا أصبحت الأندية تقلده وبات موضوعا للنقد والنقاش".

ويضيف "الأسلوب الذي يلعب به أرسنال تكيف على أساس قدرات لاعبينا وهو الأسلوب الوحيد الذي قادنا من نصر لآخر فلماذا نغير أسلوبا يحقق الفوز؟"

وفاة تشابمان

في يناير 1934 ذهب تشابمان لمشاهدة مباراة منافسي أرسنال فريق شيفيلد وينزداي وعاد إلى لندن مصابا بارتفاع في درجة الحرارة وأصيب بإرهاق شديد قبل أن يموت في السادس من يناير وتم تشخيص حالته بأنه التهاب حاد في الرئة.

تمثال تشابمان الموجود في أرسنال حاليا

توفى في عامه الـ56 بعد أسبوعين من احتفاله بعيد ميلاده، لكنه ترك مجموعة من كتاباته والتي عبر فيها عن أسفه لمرور عصر أقل تنافسية.

فقال: "لم يعد ضروريا لأي فريق أن يلعب بصورة جيدة، بل عليه أن يحرز الأهداف والنقاط، لا يهم كيف تأتي ذلك فقياس مهارات اللاعبين في الحقيقة يتم الحكم عليه من خلال موقعك في جدول الدوري".

ويواصل "منذ 30 عاما مضت، خرج الرجال لعرض فنونهم ومهاراتهم، أما اليوم ومع التصميم على تحقيق الفوز فعرفت كرة القدم قيمة خطط اللعب والحاجة إلى الفردية لتسخيرها في نطاق عمل أي فريق".

التعليقات