كتب : معتز سيد | الأحد، 20 نوفمبر 2016 - 18:13

متعب.. أو الطفل الذي يُخرج الدماء من فمه

متعب الاهلي

كاميرا تُركز على منزل ما بواجهته الأمامية، التي تكاد تكون مخفية بين الشجيرات.

3 دقائق تمر دون أي حركة قبل أن تظهر دراجة هوائية تمر أمام المنزل. دراجة بمرورها تثبت أننا أمام لقطة سينمائية وليس مجرد صورة ثابتة.

يظهر في المشهد بعض الأشخاص يخرجون من باب المنزل لبداية يومهم بشكل طبيعي.

فجأة تظهر أمامك علامة pause وترى اللقطة تعاد سريعا وتسمع أصواتا تناقش المشهد. ليتضح أن ما كنت تشاهده عبارة عن مشهد مُسجل داخل شريط فيديو ويشاهده أحد الأشخاص ويعقب عنه.

هذا هو مشهد بداية الفيلم الفرنسي Caché (المخفي). ومن يشاهد اللقطة المسجلة هما جورج وزوجته آنني.

عائلة فرنسية من ثلاث أفراد، جورج وزوجته وابنهما صاحب الـ15 سنةً. صباح كل يوم يصل إليهما شريط فيديو.

الشريط لا يتضمن أي شيء باستثناء باب منزلهم الذي يتم تصوير من كاميرا ثابته أمام المنزل.

بالطبع إذا كنت مكانهما ستشعر بالقلق والغضب. ما الذي يحدث ومن يفعل ذلك؟ هل ستخبر الشرطة؟ ولكن ماذا ستقول لهم وعلى أي أساس سيتحركون فلم يحدث أي ضرر ولا يوجد أي ضرر من تلك المشاهد التي يتم تصويرها للمنزل.

ولكن فجأة الأمور تصبح أكثر رعبا. يتم إرسال شريط فيديو به مشاهد مختلفة هذا المرة.

كاميرا مُثبته داخل سيارة تسير بين المنازل وفجأة تتوقف السيارة وتُعدل زاوية الكاميرا نحو منزل محدد. هذا المنزل هو المنزل الذى تربى فيه جورج عندما كان صغيرا.

ليس ذلك فقط بل جاء الشريط هذه المرة ملفوفا برسمة تبدو وكأنها من صنع طفل.

رأس طفل يُخرج الدماء من فمه.

نفس الرسمة تتواجد في بطاقة يتم إرسالها إلى ابن جورج في مدرسته. ويتم إرسالها أيضا إلى جورج في مكان عمله

لقطة واحدة تطارد جورج في أحلامه منذ تلك اللحظة. طفل يُخرج الدماء من فمه.

جورج يقرر الذهاب إلى منزله الذي تربى فيه والذي ظهر في الفيديو، ليتقابل مع والدته ويتحدثان عن شخص يُدعى (ماجد).

الأم لا تتذكره في البداية ولكن جورج يعيد لها ذكرياتها بـ"ماجد، الطفل الذي قررت أن تتبنيه فيما مضى".

وعلى الرغم من تذكر الأم لماجد إلا أنها تؤكد لجورج أنها لا تفكر به نهائيا لأنه "كان هذا منذ زمنا طويلا. وتلك ليست بالذكرى الجميلة! وأنت تعرف ذلك".

الكابوس يختلف هذه المرة لجورج. طفل يُخيف طفلا أخر بسكين استخدمه لدبح ديك يلفظ أنفاسه الأخيرة أمامهما والدماء يُغطيه تماما.

والفيديو المرسل يختلف أيضا فيُبين رقم غرفة معينة في مكان تجمع منازل في شارع ما. في إشارة للذهاب إلى ذلك العنوان.

جورج لا يتمالك نفسه ويخفي أمرا ما على زوجته بعدها يذهب إلى العنوان. يطرق الباب ليفتح له شخصا من نظرته يبدو أنها يعرفه جيدا. أنه ماجد.

ماجد يُرحب بجورج ويدخله غرفته التي يظهر عليها السوء الشديد ثم يسأله (لماذا تذكرتني الآن؟!).

جورج يغضب ويعتقد أن ماجد يسخر منه، فيبدأ بعرض المال عليه لترك أسرته بسلام وعدم إرسال أي فيديوهات أخرى ولكن ماجد لا يفهم شيئا!.

ليبدأ جورج ليحدثه عن الفيديوهات التي تُرسل ويريه الرسومات، ولكن ماجد ينفي تماما علاقته بذلك. جورج يغضب ويهدده والأخير يواصل النفي، ليتركه ويرحل. بعدها ينهار ماجد باكيا دون أي أسباب واضحة.

الأمور لا تتوقف هنا ويتم إرسال ما حدث في شريط فيديو لمدير جورج و لزوجته التي لم تكن تعرف أنه ذهب إلى هذا العنوان. وهنا تبدأ علاقة الزوج بالزوجة بالانهيار ليقرر جورج أخبارها بكل شيء يعرفه عن ماجد.

في الستينات كانت هناك أسرة من أصل جزائري تعمل في المزرعة التي تربى فيها جورج. وحدث ما يُسمى الآن بـ"مذبحة باريس" وأحداث قتلت فيها الشرطة عددا كبيرا من الجزائريين خلال مواجهات بين الفرنسيين من أصل جزائري والشرطة الفرنسية.

كان من ضمن القتلى الزوج والزوجة العاملان في المزرعة. صار ابنهما ماجد يتيما فشعر أهل جورج بالشفقة عليه فقرروا تربيته.

جورج صاحب الـ6 سنوات وقتها وجد فجأة طفلا أخر يقاسمه حياته، يلعب بدلا منه يأكل معه ينام في غرفته. يبدأ بالشعور بالغيرة من ذلك الطفل الذي أخد مكانه في حب والديه، ليقرر التخلص منه بإدعاء أنه يخرج الدماء من فمه.

أهل جورج يجلبون طبيبا يكشف عدم إصابة ماجد بأي شيء ليكرر جورج محاولات التخلص منه.

ليخبره أن أباه يأمره بذبح الديك. المزرعة كان بها دواجن وبها ديك شرس ولذلك لم يشك ماجد في الأمر وذبح الديك، وقتها هرب جورج مسرعا لوالدته ليخبرها أن ماجد فعل ذلك من أجل أن يخيفه وحاول أن يفعل ذلك معه.

ليقرر الأهل التخلص نهائيا من ماجد (الذي كانت حياته ستختلف تماما إذا استمر مع الأسرة الفرنسية الغنية ثقافيا وماليا).

نعود للأحداث مرة أخرى، ابن جورج لا يعود إلى المنزل. تبدأ الأم في الانهيار ويبدأ الخوف من حادثة اختطاف ليقرر جورج الذهاب إلى الشرطة وتقديم بلاغا ضد ماجد بأنه اختطف ابنه.

الشرطة تقتحم المكان الذي يسكن به ماجد لتقبض عليه ومعه ابنه الشاب الذي حاول الدفاع عن والده. لا يوجد دليل على عملية الاختطاف فيتم إطلاق سراحهما.

بعدها يظهر الابن الذي يتضح أنه كان يتواجد في منزل صديقه. وعلى الرغم من ذلك جورج لا يعتذر لماجد.

ماجد يطلب من جورج الذهاب إلى منزله لأنه "سيخبره بكل شيء بخصوص الفيديوهات".

وعندما ذهب جورج إلى ماجد يواصل الأخير التأكيد أنه ليس له أي علاقة بتلك الفيديوهات. ليسأله جورج "لماذا طلبت مقابلتي إذا؟" ويجيب ماجد: "أردتك أن ترى هذا بنفسك" ثم يخرج سكينا من جيبه ويذبح نفسه أمامه. ماجد يقتل نفسه أمام جورج.

يذهب بعدها ابن ماجد لجورج ليسأله إذا كان يشعر بشيء من تأنيب الضمير لأنه السبب في حياة ماجد وما حدث له ولكنه ينكر ذلك ويكابر ولا يعتذر أيضا، رغم استمرار كوابيسه.

المشهد الأخير من الفيلم نرى ذهاب ابن ماجد لابن جورج ويدور بينهما حديثا قبل أن يسير كل شخص في اتجاه. (العبء التاريخي سينتقل من جيل إلى جيل. سيستمر إلى الأبد ولن ينسى).

لا يهم من كان يرسل الفيديوهات في النهاية فهذا لن يعرفه أي أحد ولم يتم الكشف عنه، ولكن كل ما يهم هو تلك الفجوة التي حدثت. "التاريخ كثيرا ما يكون عبئا يلقي بظلاله على كل شيء".

فجوة كان سببها قرار واحد فقط. قرار تسبب في تلطيخ كل ذكريات الماضي السعيدة ببقعة سوداء. قرار سيتسبب في مستقبل يشوشه السواد والدماء. فجوة أسقطت كل شيء. فجوة ستنتقل من جيل إلى جيل وستستمر دائما.

أسرتك عندما تتذكر ذكرياتك ستبتسم قليلا ولكن فجأة تلك الابتسامه ستزول بسبب فجوة القرار.

قرارك قد يصنع فجوة تُسقط كل ما فعلت في السابق لأسرتك.. يا عماد يا متعب.

انتقالك إلى الغريم التقليدي سيصنع تلك الفجوة. أسرتك من جماهير الأهلي ستتذكرك ولكن ابتسامة الذكريات الـ+90 الرائعة ستسقط في تلك الفجوة.

ستسجل مع الغريم التقليدي وقد تتألق بشدة وتظهر مجددا كالـ"مرعب" ولكن مستقبلك مع أسرتك الجديدة جماهير الزمالك سيبقى به فجوة الماضي الأحمر.

تمهل وفكر فمن فعلوا ذلك من قبل. فكر في أسطورة الهجوم الذي صنع فجوته مع جماهير الأهلي.

فكر في أسطورة الحراسة الذي صنع فجوته مع أسرته القديمة الأهلي، ولم يقدر على ترك ذكرياته السعيدة مع أسرته الجديدة جماهير الزمالك بسبب تلك الفجوة.

لا تفعل ذلك يا متعب.. لا تصنع فجوة جديدة.

** اعتذر على حرق أحداث الفيلم لمن لم يشاهده**

** كل الشكر للكاتب محمد عادل الذي يعد من أوائل من استخدموا فكرة الفيلم الفرنسي في كتابة مقال رأي وجاء ذلك منذ ما يقرب السنة و3 أشهر**

ناقشني عبر

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات