كتب : علي أبو طبل | الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016 - 16:18

قبل أن تبدأ الاحتفالات.. وقبل أن تظلموا كوبر

مصر وغانا

نستطيع القول أن مرحلة مهمة من مراحل تصفيات كأس العالم عن قارة إفريقيا قد انتهت، وقد أنهيناها –كمنتخب مصر- بنجاح كبير.

صدارة للمجموعة بعلامة كاملة مع فوز خارج ملعبك وفوز آخر على ملعبك على المنافس المُباشر والأقوى في المجموعة وابتعادك عنه بفارق 5 نقاط كاملة بالتأكيد هي البداية المثالية، والتي نفتقدها دوما في كل تصفيات مونديالية.

فرحة كبيرة صاحبت ذلك الفوز الهام على الـ "بلاك ستارز"، لدرجة تفكير البعض فيما سيحدث في روسيا بعد أقل من عامين من الآن.

لا أود أن أكون مُفسدا للملذات، لكن معذرة.. نحن لم نتأهل إلى كأس العالم بعد !

بعد نهاية مباراة غانا، تعددت الفرق الجماهيرية. فظهر الفريق الواقعي الراضي عمّا يحدث وما يقدمه المنتخب تحت قيادة هيكتور كوبر. والذي يرى أن النتائج الإيجابية التي تتحقق أهم كثيرا من الأداء والاستحواذ والسيطرة. وطرحوا السؤال الاستنكاري الحاسم: "ماذا استفادت غانا من السيطرة والاستحواذ؟"

حازم إمام، نجم الزمالك والكرة المصرية السابق وعضو إتحاد كرة القدم الحالي، يبدو من أشد المناصرين لهذا الفريق، حيث قال: "قدّمنا كرة قدم جميلة في عديد من المرات في التصفيات السابقة ولم تشفع لنا من أجل التأهل. حان الوقت لنجرب طريقة مختلفة".

الفريق الآخر هو الفريق الساخط على أداء المنتخب وعلى مديره الفني الذي لا يجيد اختيار اللاعبين ولا يقدم كرة قدم مقبولة من وجهة نظرهم. وأن الإنتصارات التي تحققت –بما فيها الانتصار مؤخرا على غانا والانتصار الآخر قبل عدة أشهر على نيجيريا في تصفيات كأس أمم إفريقيا- هي من قبيل الحظ والصدفة لهذا المدرب المعروف بسوء الحظ خلال مسيرته في أوروبا.

زكريا ناصف، أحد نجوم الأهلي والكرة المصريين السابقين، وكذلك المحلل الكروي خالد بيومي هما أبرز المتصدرين لهذا الفريق، لدرجة أن بيومي وصف كوبر بأنه "اسوأ مدير فني في تاريخ منتخب مصر" بعد دقائق قليلة من انتهاء مباراة غانا.

دعونا نأخد الخط من بدايته ..

لن نفرد سطورا طويلة من أجل أن نتحدث عن تعدد المدارس التدريبية في كرة القدم، وأن هناك بعض المدربين يفضلون اللعب الهجومي وفتح الخطوط، المدرسة التى انتمى اليها بوب برادلي الذي لم يُفضّل الحذر فخسرنا بسداسية تاريخية من غانا. وأن هناك مدربين آخرين يفضلون الحذر الدفاعي واللعب عالمرتدات، وهي مدرسة كوبر مع منتخب مصر في الوقت الحالي.

لكننا سنتحدث عن واقع آخر، وهو الفارق بين تدريب الأندية وتدريب المنتخبات، وخاصة في وضعية المنتخب المصري.

المدير الفني للأندية يكون أمامه قائمة طويلة من اللاعبين ووقت كافي وتدريبات يومية للحكم عليهم وبناء خطة مناسبة يتم التأقلم عليها مع مرور مباريات متتالية يتم لعبها في خط زمني قصير.

المدير الفني للمنتخب عليه متابعة أفضل اللاعبين مع أندية مختلفة لاختيار قائمة مناسبة، ولكن الوقت لا يكون كافيا للاعبين من أجل الانسجام سويا وتقديم جُمل هجومية. وبالتالي، أقصى ما يمكن أن يحققه المدرب في هذه الحالة هو أن يجعل الفريق متماسكا دفاعيا على الأقل وألا يقبل الأهداف، وأن يخرج بالنتائج المرجوة.

يمكننا أن نعتبر قائمة الأرجنتين الممتلئة بالنجوم كمثال. نتائج سلبية وعدم تفاهم كبير في الملعب، مع الأخذ في الاعتبار الفقر الفني للمدرب الذي لا يستطيع الخروج حتى بأفضل النتائج.

متى يمكن أن ينسجم لاعبو منتخب ما ونبدأ رؤية جمل محفوظة وانسجام بشكل أكبر بين اللاعبين؟

يحدث ذلك في فترة تجمع طويلة. غالبا ما تكون في بطولة مجمعة وليس ضمن تصفيات تحدث فيها تجمعات بشكل متقطع وقصير لكل تجمُّع.

في عهد حسن شحاتة كمدير فني لمنتخبنا، كان هناك كليشيه محفوظ وهو أن المنتخب يؤدي في كأس الأمم بشكل أفضل كثيرا من مباريات التصفيات المختلفة.

الأمر منطقي بشكل كبير وشائع في أغلب المنتخبات. خلال التصفيات المختلفة تتعدد الظروف. قد يغيب لاعب مهم للإصابة وقد يقوم المدير الفني بتجديد الدماء وإعطاء بعض الفرص للاعبين مختلفين، ولكن في البطولة المجمعة تصبح اختيارته محدودة وتنسجم المجموعة بشكل أكبر.

في النهاية، ما تحتاجه في التصفيات هو النتائج الإيجابية وتحقيق أكبر قدر من النقاط.

يمكن أن نعتبر الجزائر في تصفيات مونديال 2010 كمثال.

هل كوبر ناجح أم فاشل؟

الحديث عن أن كوبر مدير فني فاشل هو شئ لا يتقبله العقل والمنطق.

تعدّد المديرون الفنيون لمنتخب مصر في الألفية الجديدة، فشاهدنا محمود الجوهري في تصفيات 2002، ماركو تارديللي في 2006 وحسن شحاتة في باقي تصفيات 2006 و2010، وبوب برادلي في 2014.

كل منهم امتلك جيلا مميزا يستطيع المنافسة على الوصول للمونديال. نافسنا ولكن لم نكن أصحاب النفس الأطول ولم نتأهل، رغم تقديم كرة قدم جيدة صاحبها سوء حظ كبير في مناسبات عديدة، ببساطة لأننا لم نجمع القدر الكافي من النقاط الذي يضعنا في الصدارة اللازمة للتأهل.

هيكتور كوبر نجح في تحقيق معادلة صعبة للغاية.

في ظل ظروف صعبة للكرة المصرية ونقص في الامكانيات وإمكانية توفير معسكرات لازمة من أجل تحقيق الانسجام الكافي للاعبين، رضى كوبر بالمهمة وبالطموحات الكبيرة للجماهير.

كانت هناك حقيقة واضحة، أدركها الرجل الأرجنتيني جيدا منذ اليوم الأول في مهمته، وهي أن المنتخب المصري عمليا لم يعد من منتخبات الصف الأول في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا بدأ العمل.

المعادلة الصعبة تتمثل في تحديد قائمته واختياراته واجراء تغييرات محدودة، وفي نفس الوقت تحقيق النتائج التي تحقق أهدافه، بينما جعل الأداء في مؤخرة اهتماماته، وهو ما لا يرضي الكثيرين.

كوبر يدرك جيدا أن الأداء ليس في قمته، خاصة بعد الانتصار الهام للغاية على غانا. ولكن تعليقه كان كافيا للرد: "مستعد للتغيير. هل توافقون على استبدال الانتصارات بأداء أفضل؟"

خاض هيكتور كوبر 9 مباريات رسمية رفقة منتخب مصر منذ توليه المسؤولية.

5 منها في تصفيات كأس أمم إفريقيا، حقق خلالها 4 انتصارات على كل من تنزانيا ونيجيريا وتشاد، قبل أن تنسحب تشاد، مقابل تعادل وحيد خارج حدود الوطن أمام نيجيريا، وبلا هزائم.

4 مباريات أُخرى خاضها كوبر في تصفيات كأس العالم. مبارتان ذهابا وإيابا في المرحلة الأولى أمام تشاد. حيث تلقى هزيمة مفاجئة هناك في تشاد بهدف نظيف في مباراة غاب فيها محمد صلاح للإصابة، بالإضافة إلى عدد كبير جدا من اللاعبين الأساسيين في الوقت الحالي، ولكن تم إصلاح الأمور سريعا وفازت مصر إيابا بعد أقل من أسبوع بـ4 أهداف نظيفة.

ومباراتان أُخريتان ضد الكونجو وغانا، تحقق فيهما انتصاران جعلا مصر على رأس مجموعتها برصيد 6 نقاط.

الحصيلة النهائية خلال 9 مباريات: 7 انتصارات وتعادل وحيد وهزيمة وحيدة، وشباك نظيفة في جميع المباريات التي خاضتها مصر على ملعبها.

حصيلة، لا تُحدثنا أبدا عن مدرب سئ أو فاشل من حيث النتائج. كيف يُلام على أداء هجومي ضعيف في معسكرات شبه شهرية -إن حدثت- لا تتخطى الـ 10 أيام في أفضل الظروف.

حتى في الوقت الحالي من التوقف الدولي، اكتفت مصر بمباراة غانا دون أي مواجهات ودية أُخرى، عكس ما ستفعله العديد من منتخبات القارة التي ستخوض بعض الوديات قبل العودة إلى منافسات الأندية. وهو أمر خارج نطاق صلاحيات كوبر الذي يحاول التكيف مع الظروف.

الحل هنا بالنسبة إليك للمشاهد أن تتأقلم وأن تعلم أن الشكل الحالي للمنتخب هو الشخصية التي سيبقى عليها تحت عهد كوبر. الالتزام والتمركز الدفاعي والبحث عن الأهداف من خلال المرتدات.

لن تستمتع، لكنك على الأغلب ستشاهد بعض الانتصارات الهامة.

يقول ماسيمليانو أليجري، المدير الفني لنادي يوفنتوس الإيطالي: "أنا أبحث عن الفوز في المقام الأول. من يريد الاستمتاع فربما عليه الذهاب إلى السيرك".

متى يأتي الأداء؟ .. أو، ماذا بعد؟

الآن، انتهى جزء هام من تصفيات المونديال التي ستتوقف حتى نهاية شهر أغسطس 2017، حين تلتقي مصر وقتها مع أوغندا لاستكمال المشوار.

9 أشهر من الآن حتى ذلك الموعد، ولا نعلم ماذا سيحدث من المتغيرات خلالها. قد يتغير لاعبون في قائمة الفريقين، وقد يتغير حتى المدربين! .. لا زلنا لا نعلم.

أوغندا فرضت نفسها كمنافس مشاكس في مجموعة التصفيات المونديالية، لذلك المواجهة ستكون صعبة بالتأكيد. كما أنها ستكون منافس لمنتخب مصر في مجموعتهما بكأس أمم إفريقيا بالجابون بعد شهرين من الآن.

كأس أمم إفريقيا هي المنافسة التي يجب أن نركز عليها الآن، ونضع المرحلة السابقة بكل مكاسبها وانتقاداتها جانبا الآن، فهو حدث شهد غيابنا لمدة 7 سنوات، ولكن الرجل الأرجنتيني نفسه نجح في إعادتنا.

في نفس الوقت، لا يجب أن نخلق الضغوطات على المنتخب في تلك المنافسة. يجب تذكر حقيقة أنك لست الأقوى في القارة في الوقت الحالي، ولا يجب اعتبار الخروج من ربع النهائي –مثلا- على أنها نتيجة سلبية أو مأساوية في هذه المرحلة من عمر المنتخب، بل ستكون نتيجة مقبولة إلى حد كبير.

استفادة مهمة قد تتحقق من المشاركة في بطولة الأمم الإفريقية هي مواجهة أوغندا والتعرُّف عليها قبل عدة أشهر من المواجهة الأهم في مشوار المونديال، وكسب احتكاكات جيدة خلال البطولة بشكل عام.

ولكن الاستفادة الأكبر هي أنها ستكون التجمُّع الأطول زمنيا للمنتخب تحت قيادة هيكتور كوبر. أشياء كثيرة يمكن أن تحدث، ويمكن الوصول لمرحلة عالية من الانسجام وتقديم كرة قدم جيدة ومنتخب متماسك. مرحلة يجب أن تشهد تطورات إيجابية كبيرة. وكل ذلك قد يكون أهم من تحقيق اللقب الإفريقي نفسه، إذا أردنا أن نستكمل مشوار التصفيات المونديالية بنجاح.

الأهم هو عدم التحامُل على الرجل الأرجنتيني الذي يقدم نتائج إعجازية فعليا رغم الظروف، ويستطيع الخروج من كل مباراة بأكبر قدر من المكاسب.

على الجانب الآخر، التفاؤل شئ مُحبب والفرحة قد نحتاجها. ولكن يجب ألا نفرط في الفرحة إلى القدر الذي يجعلنا نعتقد أننا قد حجزنا تذاكرنا إلى روسيا، فما زال هناك الكثير في رحلة التأهل التي نتمنى أن تكتمل على خير.

كذلك لا يجب التحامل على المنتخب وظلمه وتحميله ما يفوق طاقته. لست الأفضل في القارة، ولكنك في وضعية ممتازة في الوقت الحالي من حيث النتائج.

التوازن في الانفعالات هام في هذه المرحلة. لا تحامُل ولا إفراط في المجاملة.

التعليقات
مقالات حرة
مقالات حرة
مقالات حرة