(قراءة مطولة) إشبيلية.. ثورة في الأندلس بقيادة أرجنتينية حالمة.

الخميس، 03 نوفمبر 2016 - 16:12

كتب : علي أبو طبل

إشبيلية - أتليتكو مدريد

عُرف إسم إشبيلية كرويا بشكل كبير خلال الأعوام العشر الأخيرة، ليس فقط على الساحة الإسبانية، ولكن بالأخص على الساحة الأوروبية.

5 ألقاب أوروبية تحققت خلال تلك السنوات العشرة، حيث حقق الفريق لقب كأس الإتحاد الأوروبي –المُسمى القديم- في موسمين متتاليين خلال عامي 2006 و2007، قبل أن يتراجع الفريق أوروبيا وبشكل عام ثم يعود خلال المواسم الثلاثة الأخيرة ليُحقق البطولة نفسها بالمُسمى الجديد –الدوري الأوروبي- في رقم يصعب تكراره.

Image result for sevilla europa league

الفريق الذي حقق لقب الدوري المحلي لمرة واحدة في تاريخه في موسم 1945-1946 لا يمتلك طموحات كبيرة على المستوى المحلي، فإنهاء الموسم في رُباعي المقدمة من أجل ضمان مشاركة أوروبية كان يُعد هدفا أساسيا من المُمكن تحقيقه مع صعوبة المنافسة على لقب الليجا في ظل هيمنة الريال وبرشلونة.

وربما كانت بطولة كأس الملك هي الفرصة المواتية لتحقيق لقب محلي، وقد حقق الفريق لقبها مرتين خلال السنوات العشرة الأخيرة، والتي تُعد الأبرز في تاريخ النادي، وكان آخر لقب من هذه البطولة في موسم 2009/2010.

كان قريبا من تحقيقها الموسم الماضي، لكنه لقى الهزيمة في النهائي أمام برشلونة بطل الثنائية.

وجود المدير الفني الإسباني أوناي إيمري في المواسم الماضية رسّخ هذه العقلية. مكاسب آمنة محليا، تألُق أوروبي في بطولة يغيب عنها الفرق الكُبرى أوروبيا، وسيطرة وتحقيق رقم قياسي في عدد التتويج المتتالي بالبطولة، بالإضافة إلى كرة قدم جيدة ومُقنعة، وكذلك الظفر بطاقة تأهل إلى دوري الأبطال نتيجة الفوز بالدوري الأوروبي، بغض النظر عن المركز الذي يحققه الفريق في الليجا.

Image result for unai emery sevilla

إيمري واجه عقبة أُخرى أيضا خلال المواسم الثلاث، وهي رحيل عدد كبير من أهم لاعبي القوام الأساسي في كل موسم، ولكن المدير الفني الحالي لباريس سان جيرمان كان يتجاوز تلك الأزمة بنجاح. بداية غير موفقة في بداية كل موسم إلى حين إنسجام العناصر الجديدة، فيصنع فريقا جديدا ينهي الموسم بالشكل الأمثل، مُحققا الأهداف المرجوة في كل موسم.

لكن هل يستمر الفريق في هذه الدائرة كل موسم دون تجديد الطموحات ورفع مستوى التطلعات؟

رحل إيمري إلى عاصمة النور من أجل طموحات جديدة. نادي يمتلك أفضل اللاعبين ولا يحتاج للكثير من التعديلات، وربما تتويج أوروبي أكبر من الدوري الأوروبي، يطمح إليه النادي نفسه وكذلك المدير الفني قد يلوح في الأفق.

ولذلك، كان على إشبيلية أن يرفع من طموحاته ويظهر وجها مغايرا، وفي نفس الوقت يواجه التحديات نفسها التي يواجهها في كل الموسم، والتي زاد عليها مهمة البحث عن مدير فني جديد سيتحمل مهمة تقديم نتائج تفوق تحقيق بطولة أوروبية لـ3 سنوات متتالية.

رأت إدارة إشبيلية الإجابة في "خورخي سامباولي".

Image result for jorge sampaoli

الأرجنتيني صاحب الـ56 عاما، والذي يمتلك تجارب جيدة عديدة مع أندية بيرو والإكوادور وتشيلي، قبل أن يقود منتخب تشيلي فنيا ويصنع جيلا تاريخيا تمكن من تحقيق "كوبا أمريكا 2015" للمرة الأولى في تاريخ تلك البلاد.

إنجاز جعله ضمن أفضل 3 مديرين فنيين في العالم في 2015 وفقا لاستفتاء الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في جوائزه السنوية.

رحل سامباولي عن قيادة تشيلي، ولم تمر أشهر كثيرة حتى تم الإعلان عن أولى تجاربه التدريبية في أوروبا، وتحديدا في النادي الأندلسي. طموحات جديدة للرجل الأرجنتيني مع نادي مثير للاهتمام.

كعادة كل موسم، رحل عن بطل الدوري الأوروبي في الموسم الماضي عدد من أهم اللاعبين في القوام الرئيسي.

جريجور كريشيوفاك، الذي ظل صمام الأمان في وسط الملعب، قرر مرافقة مديره الفني إيمري إلى باريس. كيفن جاميرو هداف الفريق قرر الرحيل لأتليتكو مدريد. كما رحل تشيرو إيموبيلي وفيرناندو ليورنتي وقائد الفريق كوكي، وكذلك انتهى عقد خوسيه أنطونيو رييس، بينما كانت كُبرى الخسائر نهاية عقد إيفر بانيجا ورحيله إلى إنتر ميلان.

رحيل هذا العدد من اللاعبين الهامين قد يُنهى مسيرة أي فريق قبل إنطلاقتها، ولكن سامباولي قرر التعويض بعدد من الحلول التي رآها مُناسبة، وقد تأكدت صحة رؤيته فيما بعد.

استطاع إشبيلية اقتناص فرانكو فازكيز من باليرمو الإيطالي ولوشيانو فييتو من أتليتكو مدريد. كما ضم المهاجم وسام بن يدر من تولوز الفرنسي وصانعي الألعاب خواكين كوريا من سامبدوريا الإيطالي وجانسو من ساو باولو البرازيلي وبابلو سارابيا من خيتافي ، كما ضم لاعب الوسط ماتياس كرانيفيتر على سبيل الإعارة من أتليتكو مدريد والظهير الأيمن جابريال ميركادو من ريفربليت الأرجنتيني، بينما كانت أهم الإضافات في الساعات الأخيرة من الإنتقالات هي سمير نصري على سبيل الإعارة من مانشستر سيتي. كل ذلك بإجمالي صرف لم يتجاوز الـ56 مليون يورو.

صنع سامباولي توليفته من لاعبين يبحثون عن مجد جديد في تجربة أوروبية أولى لهم، ومن آخرين يبحثون عن إعادة اكتشاف نفسهم.

والآن يحدد أهدافه في منافسات الموسم الجديد.تقديم عروض ونتائج أقوى في الليجا عن المواسم السابقة، ولم لا ينافس على اللقب؟

Image result for sevilla atletico madrid

وكذلك محاولة الظهور أوروبيا بشكل مغاير من خلال تقديم نتائج أفضل في دوري أبطال أوروبا، عكس المواسم السابقة التي كان يغادر فيها الفريق من دور المجموعات ويكمل المسيرة في الدوري الأوروبي.

منذ اليوم الأول، وعد سامباولي ومعاونوه جماهير الفريق الأندلسي بتقديم الجنون في كل مباراة، وهذا ما حدث تقريبا.

Image result for sevilla fans 2016

مهمة "المستر" الأولى مع الفريق لم تكن سهلة. مواجهة ضد ريال مدريد، فريق سيكون منافسا في الليجا، ولكن على لقب كأس السوبر الأوروبي.

وعد سامباولي بتقديم أفكاره وطريقة لعبه خلال هذه المباراة، وبالفعل قدّم الفريق مباراة كبيرة خسر خلالها بصعوبة بنتيجة 3-2 بعد وقت إضافي.

المهمة الثانية لم تقل صعوبة. مواجهتان ضد برشلونة ذهابا وإيابا من أجل لقب كأس السوبر الإسباني. لم يكن إشبيلية بنفس القوة التي ظهر عليها ضد الريال، وخسر 5-0 في مجموع المبارتين.

على كل حال، كانت مرحلة تجريبية رغم أنها تساوي خسارة لقبين، والآن يبدأ الجد.

أنا سعيد للغاية.. إننا نعيش حلما!"

كلمات أطلقها خورخي سامباولي بعد 3 أشهر من بداية مهمته رسميا، وتحديدا بعد تحقيق فوز عريض على دينامو زغرب الكرواتي برباعية نظيفة جعلت إشبيلية في صدارة مجموعته في دوري أبطال أوروبا برصيد 10 نقاط ودون أن تهتز شباكه في 4 مباريات، وبفارق نقطتين عن يوفنتوس الذي تعثر في فخ التعادل أمام ليون الفرنسي. وهي نتائج وأرقام جميعها ضمنت لكتيبة سامباولي التواجد في دور الـ16 من دوري الأبطال.

أخيرا، الدوري الأوروبي ستشهد بطلا جديدا هذا الموسم بشكل مؤكد!

الحلم لا يقتصر على النتائج المميزة التي يحققها الفريق أوروبيا فقط، ولكن محليا كذلك، الفريق يحقق أفضل النتائج في الليجا.

21 نقطة جمعها الفريق خلال 10 جولات، من 6 انتصارات و3 تعادلات وهزيمة واحدة كانت أمام أتليتك بلباو.

18 هدفا سجلها الفريق مقابل 13 هدف تلقتها شباكه. أرقام أقل مما يحققها ريال مدريد وبرشلونة وأتليتكو مدريد، ولكنه أصبح منافسا وندا قويا لهم من خلال عدد النقاط التي جمعها. فالفريق يقل عن ريال مدريد المتصدر بثلاث نقاط فقط.

قد تصبح المنافسة على لقب الليجا رباعية هذا الموسم!

"بالتأكيد يكون الشخص متحمسا عندما يحقق النتائج المرجوّة. ولكن عادة لا تتحقق تلك النتائج بهذه السرعة"

تصريح أطلقه سامباولي للموقع الرسمي لنادي إشبيلية بعد النتائج المميزة التي يحققها في الليجا.

حقق إشبيلية العديد من الإنتصارات الهامة هذا الموسم، ولكن يظل الفوز على أتليتكو مدريد هو الأهم.

حيث أنها الهزيمة الوحيدة لكتيبة دييجو سيميوني هذا الموسم حتى الآن، كما أنه الانتصار الذي أعلن رسميا إشبيلية كمنافس وفريق قوي ومنضبط.

"إشبيلية سينافس على اللقب"

هكذا يعتقد قائد أتليتكو مدريد، جابي فيرنانديز، بعد هزيمة فريقه أمام إشبيلية، ويتفق في الرأي مع مديره الفني "دييجو سيميوني" الذي أضاف لتصريحه بعض الكبرياء،

فقال: "إشبيلية وأتليتكو مدريد سينافسان على اللقب هذا الموسم".

قوة إشبيلية تتميز في استغلال سامباولي للعناصر المتواجدة في الفريق بأفضل طريقة ممكنة من خلال خطة 4-2-3-1.

رحل كراشيوفاك؟ لا مشكلة.. كرانفيتر صمام أمان جديد في وسط الملعب، بجانب اكتشاف هذا الموسم، الفرنسي ستيفان نزونزي الذي يقدم أفضل أداء ممكن. ثنائي يحقق دقة تمرير عالية مما يسمح بالتحكُم في الكرة ومُجريات اللعب بأفضل شكل أمام خط دفاعي يستمر فيه عادل رامي وإسكويدرو كقلبي دفاع من الموسم الماضي بالإضافة إلى ماريانو، بينما يعوّض ميركادو الموقع الذي تركه كوكي.

في الأمام ثلاثي صُناع اللعب، فرانكو فازكيز الذي أثبت مدى أهميته في صناعة اللعب وكذلك التسجيل، ويستمر فيتولو كأحد العناصر المتواجدة منذ الموسم الماضي، وسمير نصري الذي أعاد اكتشاف نفسه من جديد رفقة الفريق الأندلسي، ونجد البرازيلي جانسو بديلا، وكذلك بابلو سارابيا الذي يتألق بشكل كبير في الليجا ويُعد أفضل صانعي الأهداف في الفريق -3 صناعات للأهداف في الليجا.

في الهجوم، يتألق لوشيانو فييتو كأفضل هدافي الفريق هذا الموسم بـ5 أهداف في كل البطولات، وكذلك يقدم الفرنسي وسام بن يدر مستوى مميز حيث سجل 3 أهداف في الليجا. سامباولي يقوم بالمداورة بينهما، وأحيانا يشركهما سويا إن لزم الأمر.

كرة قدم سريعة وممتعة ومُباشرة، هي أهم السمات التي تميز ما يقدمه سامباولي، سواء في فترته الحالية مع إشبيلية، أو ما كان يقدمه مسبقا مع منتخب تشيلي.

ليس من الضروري الاستحواذ بشكل كامل على الكرة، بقدر أن تكون فعّالا وخطيرا على مرمى الخصم، وأن تُنهى الأمور بتسجيل الأهداف. الغاية الكُبرى من كرة القدم.

بمقارنة أول 9 مباريات للفريق هذا الموسم في الليجا تحت قيادة سامباولي بأول 9 مباريات في الموسم الماضي تحت قيادة إيمري في آخر مواسمه مع الفريق، سنجد مدى التطوّر في فاعلية الفريق.

دقة التمريرات الصحيحة هذا الموسم بلغت 83% بعدد 3369 تمريرة، مقابل 78% بعدد 2124 تمريرة في الموسم الماضي.

79 فرصة مصنوعة للفريق هذا الموسم في أول 9 مباريات، سُجل منها 17 هدفا، مقابل 98 فرصة مصنوعة تم تسجيل 12 هدفا فقط منها في أول 9 مباريات في الموسم الماضي. نلاحظ مدى فاعلية تحويل الفرص إلى أهداف هذا الموسم.

ربما لا ينال المدير الفني الأرجنتيني نصيبه الكافي من المدح وسط زحام المدربين في القارة الأوروبية، ما قد يجعله مظلوما بعض الشئ، ولكن النتائج تتحدث عنه شيئا فشيئا.

روجيرو سيني، أسطورة حراسة المرمى في البرازيل، يعتبر سامباولي من أفضل المدربين على الساحة حاليا.

"إنه يقدم كرة قدم سريعة وجميلة مثل التي يقدمها جوارديولا وكلوب. يحقق نتائج جيدة تؤهله للوصول لهذا المستوى بالفعل" هكذا أتم سيني رأيه عن سامباولي.

ما يحدث في إشبيلية ثورة حقيقية. تغيّر حقيقي في عقلية الفريق وتفكيره في المنافسة. قد لا تتحقق البطولات في نهاية هذا الموسم، ولكن مكاسب أُخرى قد تتحقق على المدى البعيد. فقد يكون هذا الموسم خطوة أولى للفريق من أجل مواسم قادمة أقوى تحت قيادة مدير فني يستطيع البناء لأعوام قادمة بشكل تدريجي.

يمكننا اعتبار التطور التدريجي لأتليتكو مدريد تحت قيادة سيميوني كمثال.

المدير الفني الأرجنتيني يبدو أنه يدرك ذلك جيدا، حيث قال في تصريح قريب: "التاريخ يخبرنا بصعوبة الفوز بالليجا هذا الموسم. ولكننا نستمتع بمواجهاتنا لكل فريق على قدر مستواه".

النتائج الحالية التي يحققها إشبيلية تزيد من تحديات وضغوطات الفريق. فالآن أصبح مطالبا بتقديم أداء جيد فيما هو قادم، وكذلك تحقيق نتائج تثبت أنه قادر على المنافسة بالفعل، وأنهما لم تكن مُجرد حُمّى بداية.

تفوّق إشبيلية على ضلع من مثلث المنافسة في المواسم الماضية، ولكنه لم يواجه الضلعين الأهم، وربما الأقوى، بعد.

الأحد القادم، سيستضيف إشبيلية فريق برشلونة في ملعب رامون سانشيز بيزخوان، الذي يشهد حالة من الجنون السعيد. مباراة ستكون عنوانا لمرحلة جديدة في هذا الموسم لإشبيلية.

"نريد أن تعرف كل الفرق التي ستحل ضيفة على هذا الملعب ماذا سينتظرها"

تصريح يوّضح نوايا سامباولي بشكل قاطع.

مواجهة سيكون الانتصار فيها مهم لهدفين هامين، أولهما هو إثبات مدى قوة إشبيلية وقدرته على هزيمة الكبار هذا الموسم، وثانيهما هو رد اعتبار الهزيمة في كأس السوبر في بداية الموسم.

من المؤكد أن سامباولي يدرك جيدا مدى أهمية الفوز في هذه المباراة من أجل استكمال ثورته في الأندلس.

التعليقات