جوارديولا وطرق أخرى للفوز – (4) درس روماريو للمراهق بيب.. والتفاهم مع مورينيو

الأربعاء، 06 يناير 2016 - 13:47

كتب : محمد الفولي

كان "فريق الأحلام" في 18 مايو 1994 هو المرشح الأوفر حظا في كل الرهانات قبل نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة في أثينا أمام ميلان الإيطالي الذي كان يدربه فابيو كابيلو. لكن الخسارة برباعية نظيفة شكلت ضربة قوية لبرسا ودرسا حول خطر الثقة الزائدة والتكاسل.

زاد من مرارة الأمر أن السبب وراء هذه الخسارة لم يكن تكتيكيا أو دفاعيا بل ذهنيا حيث قال جوارديولا بعد ذلك النهائي بسنوات "كنا نفكر جميعا بأننا سنواجه عصابة ضعيفة، خرجنا للملعب ولدينا قناعة أننا أفضل من على الساحة ولكنهم أحرزوا في شباكنا أربعة أهداف".

"لقد تفوقوا بشكل كبير لدرجة أن كل ما كنا نرغب فيه هو انتهاء المباراة".

القائد

بعد الحقبة الذهبية ليوان كرويف بين 1990 و1994 بات واضحا أن مسألة العثور على حلول واستثارة حماس الفريق أصبحت أكثر صعوبة. لذا كان يجب عليه خلال موسميه الأخيرين اتخاذ بعض القرارات الجذرية بحثا عن رد فعل من الفريق، وأثر أحدها بشكل كبير على بيب.

حينما أبلغ كرويف الحارس أندوني زوبيزاريتا الذي كان يمثل لجوارديولا أخا وقائدا وزعيما بأنه سيرحل، شعر الأخير كما لو كانوا انتزعوا شيئا من داخل روحه. وفي ليلة وداع الفريق له بأحد المطاعم حافظ بيب كثيرا على هدوءه قبل أن ينفجر في البكاء بأحد الأركان.

على أي حال فإن عام 1994 شهد تأكيد كون جوارديولا با مديرا لأوركسترا برسا حيث يقول عن دوره في تلك الفترة "وظيفتي كانت تحريك الكرة لكي يتمكن زملائي من إنهاء اللعبة".

هذا بخلاف أن دوره كقائد جديد داخل غرف الملابس اكتسب ثقلا بعد مسألة رحيل زوبيزاريتا ولكنه في البداية لم يكن يدرك هذا الأمر.

المراهق بيب

من ضمن المواقف الطريفة الدالة على ذلك ما حدث حينما تعاقد النادي مع البرازيلي روماريو.

دعا كرويف نجمه الجديد وجوارديولا بصفته قائد الفريق للعشاء في أحد المطاعم، ولكن الهولندي كان مندهشا جدا من رد فعل بيب الذي كان يبدي إعجابا مبالغا فيه باللاعب الجديد.

وبمجرد استئذان روماريو للتوجه لدورة المياه نظر كرويف لجوارديولا وقال له: "فلتهدأ. توقف عن التصرف كمراهق، أنت قائد الفريق".. درس أخر من الهولندي لتلميذه النجيب.

خلال الموسم الأخير لكرويف (1995-1996) تعاقد مع البرتغالي لويس فيجو قادما من سبورتنج لشبونة ولكن النتائج لم تتحسن.

ووصلت حقبة الهولندي بوضوح لنهايتها في أخر شهر بالموسم، فقد خرج الفريق من نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام بايرن ميونيخ وخسر نهائي كأس الملك أمام أتلتيكو مدريد.

حدث ما كان يتوقعه الجميع في 18 مايو قبل تدريبات الفريق لستعدادا لمواجهة سلتا فيجو بعد مناقشة حادة بين كرويف ونائب رئيس النادي جوان جاسبارت، حيث أقيل الهولندي الذي كان يرغب في قيادة الفريق حتى نهاية ذلك الموسم والرحيل بكرامة.

كان كرويف يدرك أن النادي تحرك بالفعل للتعاقد مع سير بوبي روبسون لخلافته وشعر أن هذا الأمر بمثابة إهانة إضافية، ولكن في النهاية فإن الأسطورة الهولندي الذي تمكن من تغيير تاريخ النادي خسر المعركة.

فضل جوارديولا من جانبه التعامل مع الأمر مثل بقية زملائه عن طريق المراقبة عن بعد وبحكمة وسط خشية من تداعي هذا المشروع الكبير وفي ظل انتظار المجهول مع بوبي روبسون، فما الذي سيحدث معه؟

شهدت المباراة الأولى لبرسا في حقبة ما بعد كرويف امتلاء ملعب كامب نو بلافتات دعم للمدرب الهولندي للتعبير عن الامتنان لكل ما قدمه للنادي والتراث الذي تركه لجماهيره وكان من ضمنه جوارديولا نفسه الذي بدأ يتحول رويدا رويدا لأحد أيقونات الفريق.

الجد ميكيل

وقع الاختيار على المدرب الإنجليزي، سير بوبي روبسون صاحب الـ63 عاما والذي اكتسب بين اللاعبين لقب "الجد ميكيل"، بسبب كبر سنه وتشابهه مع شخصية تحمل نفس الاسم في إعلان أحد أنواع النبيذ الرخيص.

وعانى روبسون الذي لم يتعلم أبدا الإسبانية ولم يفهم ما الذي كان يقوله لاعبوه، من المقارنات الظالمة والتي لا يمكن في نفس الوقت تجنبها مع كرويف، الذي كان ظله كفيلا بإطفاء شمس أي شخص.

في أحد الأيام أمسك سير بوبي روبسون بعد وصوله بقليل قطعة من الطباشير لشرح مفهوم تكتيكي ما.

كان يجب على البرتغالي جوزيه مورينيو الذي كان يعمل مترجما حينها نقل الأمر للاعبين، ولكن في ظل عدم وجو سبورة جلس المدرب الإنجليزي على ركبتيه وبدأ في الرسم على الأرض.. حينها فقد الفريق ثقته في مدربه.

كان مبدأ "الإدارة الذاتية" هو السائد في الفريق ولم يُعرف أبدا اذا ما كان روبسون يعي هذا الأمر أم لا، فيما أن مورينيو كان يضيف في ترجمته تفاصيل أخرى غالبا كان المدرب الإنجليزي ينسى ذكرها ولكنها كانت هامة.

بيب ومورينيو

وسط كل هذا بدأ بيب جواريولا ومورينيو يعرف كل منهما الآخر ويراه كشخص يفهم كرة القدم، حيث كانا يتحدثان عما يحتاجه الفريق ويتبنيان قرارات فنية معينة، وهو الأمر الذي أقر به المدربان على استحياء ولكنهما دائما ما يتجنبان الكشف عن حجمه.

كان جوارديولا كتب في سيرته الذاتية (أهلي) حول مسيرته كلاعب والتي ألفها بنفسه "تشارلي ريكساش كان دائما ما يقول إنه لكي تصبح مدرب فيجب أن يكون 30% من تفكيرك في كرة القدم والباقي بما يحيط الفريق، فهمت ما قاله في حقبة روبسون، تأخرنا ثلاثة أو أربعة شهور في تفهم المدرب الجديد وهذه الأشياء في كرة القدم تعني التأخر بصورة كبيرة".

كانت هذه العلاقة المهتزة بين اللاعبين وروبسون هي التي أدت لوجود ذلك الموقف الغريب في نهائي كأس الملك عام 1997 أمام ريال بيتيس في ملعب البرنابيو، وتحديدا أثناء الاستراحة حيث أن روبسون كان يجلس صامتا في غرفة الملابس دون أي كلام بعد انتهاء الشوط الأول بالتعادل بهدف لمثله.

فضل لاعبو البرسا أن يكونوا أصحاب المبادرة وطرح نقاط الضعف التي رصدوها بأنفسهم في دفاع ريال بيتيس من الناحية اليسرى بل وتبادلوا بعض التعليمات مع بعضهم في ظل إضافات ونصائح تكتيكية من مورينيو لتنتهي المباراة في النهاية بفوز برشلونة بثلاثة أهداف لاثنين.

كان هذا ثالث لقب لبرشلونة في ذلك الموسم بعد كأس السوبر الإسباني وكأس الكؤوس الأوروبية في نفس الوقت الذي بدأ فيه جوارديولا يكتسب المزيد من الثقل داخل الفريق وتظهر فيه ملامح من شخصيته كمدرب.

ويقول لوران بلان الذي كان يلعب في تلك الفترة بالنادي الكتالوني: "كنت أشعر بضجر شديد من بيب، حيث كان طوال اليوم يسأل عن ما هذا ولماذا نفعل هذا ولماذا لا نبدأ بهذه الطريقة، كان يصيبني بالصداع".

كان لقب الليجا يهرب من برسا وبدأت الاحتفالات بالألقاب الثلاثة في التراجع مع اقتراب الموسم من نهايته، فيما أن الحالة النفسية للمدرب لم تكن تساعد لأن روبسون كان يعرف في أبريل أن الادارة ستستقدم الهولندي لويس فان جال ليتولي مسؤولية الفريق في الموسم التالي.

وكان هذا القرار يمثل بالنسبة لجوارديولا فرصة للتعلم من مهندس نجاحات أياكس في تلك الفترة، حيث كان يكن إعجابا كبيرا لفان جال، ولكن مأساة رياضية شخصية حدثت ولم تسر الأمور كما كان يرغب في بداية الأمر.

--

يستعرض FilGoal.com كتابا جديدا.. "طريقة أخرى للفوز" الذي يحكي حياة المدرب الإسباني بيب جوارديولا منذ طفولته وحتى رحيله عن برشلونة.

هو واحد من انجح الكتب الرياضية في السوق الإسباني وترجم لعدة لغات، ويقدم الكثير من القصص والحكايات عن مسيرة جوارديولا ولاعب والصعوبات التي واجهها بجانب شرح الكثير من الجوانب الفنية والتكتيكية في مسيرته التي قادته ليصبح واحد من أبرز المدربين في الوقت الحالي، هذا بجانب حوارات مع المدرب نفسه وعدد من لاعبيه ومنافسيه.

وألف الكتاب الصحفي الإسباني المخضرم جييم بالاجيه، صاحب الخبرة الكبيرة في المجال الرياضي بالعمل مع كل من (سكاي سبورتس) و(آس) و(تيليجراف) و(بليتشر ريبورت).

اقرأ الحلقة الأولى.. (اضغط هنا)

اقرأ الحلقة الثانية.. (اضغط هنا)

اقرأ الحلقة الثالثة.. (اضغط هنا)

التعليقات