كتب : عمر عبد العزيز | الإثنين، 28 ديسمبر 2009 - 13:10

مؤامرة الجزائر ومجزرة السودان

لماذا يستخف البعض بعقلية المواطن المصري؟ .. ولماذا حول الإعلام المصري الجزائر إلي إسرائيل؟ ولماذا نسمع وحتي هذه اللحظة أعذارا وحججا تافهة من بعض المسئولين؟ ولماذا تلطخ مفهوم الوطنية السامي بشعارات لا علاقة لها بالواقعية؟

لن أعلق علي كلام أحد كبار المسئولين بمعرفة الجهات المصرية بأن هناك "مؤامرة جزائرية"- والذي أثبت براعة المسئولين الفائقة في اكتشاف الكوارث قبل وقوعها- لأن مقال الزميل أحمد عز الدين في هذا الشأن قد جمع وأوعى.

ولكن سؤالي, لماذا في هذا التوقيت وبعد أن هدأت الامور نسبيا نعيد "شحن" المشجع المصري الذي سلم أمره لله وبدأ التفكير في كأس الأمم بمبررات أقل ما يمكن أن توصف به إنها إستفزازية.

والكلام ليس موجها لشخص بعينه لأن الفرد أيا كانت مكانته يبقي معرضا للخطأ, ولكن مايدعو للاشمئزاز هو ذلك الاتجاه العام الذي أعقب أحداث المواجهة الشهيرة بين مصر والجزائر.

مؤامرة مدبرة

مع احترامي الشديد لحسن شحاتة واقتناعي أنه افضل من قاد المنتخب علي مر العصور إلا أن تصريحات المعلم السابقة حول الخروج من تصفيات كأس العالم لم تكن مقنعة.

فهل من المعقول ألا يتحدث المدرب عن الفنيات رافضا الإعتراف بالهزيمة وأن يضع مبررات ضعيفة لإخفاق المنتخب بدأت منذ هزيمة بليدة؟

لا أنكر ما حدث في السودان من اعتداءات علي مجموعة من المصريين علي يد "بعض" البلطجية الجزائريين ولا أجد حرجا في أن أصف هذه الفئة تحديدا بالبلطجية والهمج .. ولكن.

من الغباء أن نحكم علي كل الجزائريين بهذه الحادثة ومن السذاجة أن نكتشف فجأة أن شعبا بأكمله "يكره المصريين ويحقد عليهم" بسبب مباراة, ومن السخافة أن نبرر فشلنا في الوصول لكأس العالم بالتعرض لـ"مؤامرة مدبرة".

إن تعرض أعضاء الجهاز الفني للتسمم قبل مباراة بليدة لم يؤثر بأي حال من الأحوال علي نتيجة المباراة الأولي ولو افترضنا جدلا إنها كانت مؤامرة مدبرة, فكان الأحري أن يدس الطعام الفاسد للاعبين .. ثم لماذا يفتح هذا الملف الآن وبعد مرور ستة أشهر؟

ثم إن الأحداث التي أعقبت لقاء السودان لا يمكن وأن تكون قد أثرت علي النتيجة النهائية لأن كل المشاكل ظهرت بعد المباراة بثلاث ساعات.

وبالتالي فإن عبارات مثل "مؤامرة مدبرة"و "مجزرة السودان" و"مذبحة أم درمان" و"جرائم الجزائريين" هي مبالغة مثيرة للسخرية و فعلا وللأسف جعلت العالم يضحك علينا بدليل أن (بفضل الله) لم نسمع عن إصابة واحدة بالغة من آلاف المصريين الذين عادوا من السودان.

وفي نفس السياق مازال سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة يتحدث عن الأزمة من زاوية محدودة زاعما أنه سوف يقدم للفيفا CD مدعم بالأدلة التي تدين الجزائر, وانا علي يقين أن الفيفا لن يري ما بداخل الملف المزعوم لأنه قد أغلق القضية تماما.

إن ما حدث في السودان شئ مؤسف بالفعل ولكن يجب الاعتراف أن عالم كرة القدم لا يخلو من الشغب خارج الملاعب وأن هناك ما هو أفظع من ذلك في أوروبا وأمريكا الجنوبية, ولذلك فإن "ملف السودان" الموجه للفيفا هو "عشم إبليس".

المنافسة الشيقة

في تقرير علي موقع الفيفا يوم الأحد يتضمن أهم أحداث العام وقع الاختيار علي مواجهة مصر مع الجزائر بأنها أهم الأحداث الرياضية في العالم العربي خلال 2009 وقد أشاد الاتحاد الدولي لكرة القدم "بالمنافسة الشيقة" بين الجارين.

ولكن في الحقيقة عندما نعيد النظر في الأمر برمته فيمكننا القول إنها كانت "حاجة تكسف".. والمسئول الأول في نظري ليس المواطن المصري أو الجزائري وبالطبع ليسوا لاعبي الفريقين الذين أدوا اداءا مشرفا حتي النهاية.

ولكن المسئول الأول هو الإعلام الفاسد في البلدين والذي نجح في محاولته لجذب الانتباه بأي وسيلة ممكنة بل وتحقق له أكثر من ذلك حيث حول" المنافسة الشيقة" إلي حرب شعواء.

بعد أن ساهمت بعض وسائل الإعلام الجزائرية في توليع الامور قبل المباراتين, تركت الصحافة الجزائرية "مضمار الهوهوة" للإعلام المصري الذي مازال يستفز الجزائريين والمصريين علي حد سواء بعد الأزمة.

الإعلام الفاسد هو الذي نشر فيديو من سنة 2006 لمجموعة "عيال" جزائريين يحرقون زي المنتخب المصري فشحن ملايين المصريين ضد الجزائر وبالتالي قام بعض "العيال" برشق حافلة الجزائر في القاهرة بل وبكل برود قام نفس الإعلام بإتهام اللاعبين بتعمد إصابة أنفسهم بدلا من التكذيب علي الأقل!

رد الخصم كان أكثر فجرا حيث اخترع الإعلام الجزائري الفاسد قصة "القتلي الجزائريين" في مصر, فحدث ما حدث في السودان كرد فعل من بعض الجهلة.

وهاهم الإعلاميون والمسئولون يستمرون في تضليل المشجعين بمزيد من الأكاذيب التي لم يعد المواطن المصري العاقل يهضمها بسهولة.

بعد هزيمة السودان مباشرة اعترف إني انجرفت وراء التيار الإعلامي الشديد شأني شأن أي مواطن مصري عاشق لهذا البلد, ولكن مع مرور الوقت وظهور الحقائق أيقنت إننا "بيضحك علينا".

قد ينزعج البعض من إتخاذي موقفا محايدا في بعض الكلام السابق وألتمس لهم العذر, ولكن حرصي علي كرامة بلدي وعلي وجوب إحترام عقلية المصري دفعني لأتعامل مع الأمر بشئ من العقلانية التي جعلتني أوقن أننا في حاجة لأن ننظر لأنفسنا قبل أن نلوم "المؤامرات".

ملحوظة: اعتذر لأني ذكرت لفظ "الهجص" علي لسان حسن شحاتة وذلك أني عندما راجعت تصريحاته تأكدت أنه قد إستخدم هذه الكلمة في موضوع آخر واشدد علي إنتقادي لموقفه هذا بالذات وليس لشخصه ولازلت أري أنه الأجدر بقيادة المنتخب.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات